كنشاسا | قبل 57 عاماً، وتحديداً في الأول من حزيران عام 1966، اختار رئيس جمهورية الكونغو الديموقراطية (كانت تُسمى زائير آنذاك) موبوتو سيسي سيكو موقعاً نفّذ فيه الحكم بالإعدام شنقاً لأربعة سياسيين قيل إنهم حاولوا الانقلاب عليه.هذا الموقع سيتحول بعد 28 عاماً إلى واحد من أضخم الملاعب في القارة الأفريقية؛ ففي عام 1994 افتُتح ملعب «كمانيولو» بعدما استغرقت أعمال تشييده على يد إحدى الشركات الصينية ست سنوات. ومع وصول الرئيس لوران كابيلا في عام 1997 إلى الحكم، وتخليداً لذكرى السياسيين الذين شُنقوا في المكان، تحوّل اسم الملعب الرسمي الذي يخوض فيه منتخب جمهورية الكونغو جميع مبارياته الدولية والذي يتسع لنحو 80 ألف متفرج إلى «ملعب الشهداء».
وعلى الرغم من ضخامة الستاد الذي يُعد من أبرز معالم العاصمة كنشاسا، إلا أن وضعه السابق لم يكن كافياً لاستضافة النسخة التاسعة لدورة الألعاب الفرنكوفونية التي احتضنتها البلاد، لولا قيام إحدى الشركات اللبنانية (وهي شركة CGC) برفع مستوى الجهوزية وإنشاء ملاعب إضافية والتزام أعمال البنى التحتية اللازمة للدورة وفق المعايير العالمية المعتمدة وإنهائها في وقت قصير، خاصةً أن تلك الاستضافة كانت قد تأجّلت مرتين، الأولى عام 2021 بسبب جائحة كورونا والثانية عام 2022 بسبب عدم جهوزية البنية التحتية.

في حديث مع «الأخبار»، قال صاحب الشركة منتصر عربيد إن طاقمه واجه تحديات جمّة لإنجاز المهمة في وقت قصير، لافتاً إلى أن الأعمال بوشرت في شهر شباط من عام 2022 وهي تشمل تشييد مبنى مجاور للستاد يمتد على مساحة عشرة آلاف متر مربع، يتضمّن ملعبَي كرة سلة يتسع أحدهما لنحو ثلاثة آلاف متفرج والآخر يتسع لألفي متفرج، فضلاً عن صالة مشاهدة للشخصيات المهمة (VIP)، وغرف لتبديل الملابس ومكاتب للفنيين وغرف للتجهيزات وغيرها. وإلى ذلك، التزمت الشركة أيضاً أعمال «إعادة هيكلة» ملعب كرة السلة الكبير المجاور للستاد.
هي المرة الأولى التي تستضيف فيها كنشاسا حدثاً رياضياً ضخماً بعد مباراة محمد علي كلاي الشهيرة عام 1974


يقول عربيد إنه وبالرغم من كل التحديات التي رافقت عملية تجهيز الملاعب، إلا أنه «فرِحٌ بالمخاطرة الإيجابية التي قبِل دون الكثير من الشركات أن يتولاها»، والتي يعود عنصر الخطر فيها بالدرجة الأولى إلى المباشرة بالأعمال قبل تلقّي الأكلاف اللازمة لتنفيذ المشروع. يركّز الرجل الخمسيني الذي ولد في لومومباشي (ثانية أكبر المدن في الكونغو بعد كنشاسا) والذي «يعرف طريقة تفكير أهل البلاد التي ولد فيها»، أنه «وبالرغم من كل الرهانات على فشل المشروع وبالتالي تكبّده خسائر كبيرة، وثِقَ بالخطاب العلني لرئيس البلاد الذي وعد أكثر من مرة بالسعي الجدي لاستضافة دورة الألعاب الفرنكوفونية في بلاده وفي عهده».


الجدير ذكره في هذا الصدد أن السلطات الرسمية في البلاد أولت لهذه الاستضافة جهداً كبيراً بهدف إنجاحه. كما تأتي هذه الخطوة ضمن مساعي كنشاسا إلى لفت الأنظار إلى موقعها ووضعها العمراني والسكاني الذي يشهد في هذه الفترة نمواً متسارعاً، فضلاً عن رغبتها في إثبات «جدارة» ملعب الشهداء بعد أن أبدت الكثير من المنتخبات خشيتها من زيارة البلاد خوفاً من الأوضاع الأمنية من جهة، وخشية من عدم جهوزية الملعب من جهة أخرى. إلى ذلك، يُشير عدد من اللبنانيين القُدامى في العاصمة إلى أهمية خاصة لتلك الاستضافة تتمثل برغبة الرئيس الحالي فيليكس تشيسيكيدي بتنظيم هذا الحدث في عهده، خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المُزمَع إجراؤها في شهر كانون الأول المُقبل. وبمعزل عن الأسباب التي تقع خلف تلك الجهود، يبقى الثابت أن عدداً كبيراً من المواطنين الكونغوليين كانوا فرحين بهذا الإنجاز، خصوصاً أن هذه هي المرة الأولى منذ عام 1974، تاريخ استضافة العاصمة لمباراة «القتال في الغابة» الشهيرة بين محمد علي كلاي وجورج فورمان، التي تشهد فيها البلاد حدثاً رياضياً عالمياً.
لعب منتخب لبنان للشباب في ملعب كمانيولو خلال مشاركته في الدورة الفرنكوفونية (طلال سلمان)

«عندما أشاد رئيس البلاد خلال الافتتاحية بجهود شركتنا اللبنانية في إنجاح الدورة، شعرتُ بالفخر وتمنيتُ أن تكتسب جميع التجارب اللبنانية مع السلطات الرسمية صيت المهنية والالتزام».
هذه الخلاصة الأبرز التي يركّز عليها عربيد في سياق الحديث عن أهمية إظهار صورة مُشرقة عن أعمال اللبنانيين في الدول الأفريقية، خصوصاً التي يسترزقون منها، «وبالتالي علينا أن نعطيهم كما يعطوننا».