دمشق | بمجرّد الإعلان عن جلسته الاستثنائية لمناقشة الواقع الاقتصادي والمعيشي في سوريا، تحوّل مجلس الشعب إلى «التريند» الأوّل على مدى أيام سبقت الجلسة وأعقبتها، حيث انهال السوريون، عبر صفحاتهم على موقع «فايسبوك»، بالانتقادات على ممثّليهم، مطالبين إياهم بأن يجتمعوا «بلا تكييف»، وأن يتنقلوا إلى البرلمان بمواصلات النقل العامة، علّهم يستشعرون جانباً من المعاناة اليومية المستمرّة، ومتّهمين إيّاهم أيضاً بأنهم يعيشون في «عالم موازٍ»، وفشلوا في تمثيل مواطنيهم والتحدّث باسمهم. ومع ذلك، بدا واضحاً تمسّك الكثيرين بـ«القشّة» التي يمكن أن تنقذهم، حتى لو استيقظوا صبيحة الجلسة على خبر رفع المصرف المركزي سعر صرف الدولار، في نشرته الرسمية، بحوالي 2000 ليرة سورية.
خندق واحد
قبل الجلسة الاستثنائية، التي استمرّت حوالي سبع ساعات، انقسم السوريون حول اتّخاذ مجلس الشعب قرار حجب الثقة عن الحكومة، بين مؤيّدين ومعارضين. إذ أمل الأوّلون أن يصل المجلس إلى أكثر من تحميل الحكومة مسؤولية ما يعيشه السوريون من تردٍّ في الأوضاع، وأن لا يكتفي بتوجيه النقد إلى وزرائها، وأن يخرج أعضاؤه من إطار الكلام الإنشائي الذي اعتادوا طرحه في جلساتهم، وصولاً إلى استخدام صلاحياتهم بحجب الثقة عن الحكومة. أمّا القسم الثاني، فلم يجد أصلاً إمكانية لإجراء من هذا النوع، على اعتبار أن أغلب أعضاء البرلمان يتبعون «حزب البعث» (الحاكم) الذي اختار أعضاء الحكومة، وبالتالي من غير المنطقي أن يحجبوا الثقة عن هذه الأخيرة. وما بين الفريقَين، ثمّة قسم ثالث اعتبر أن الإجراء الفاعل إنّما يتمثّل في حلّ مجلس الشعب أو حجب الثقة عنه لأنه فشل في أداء دوره في تمثيل الشعب.
انقسم السوريون حول اتّخاذ مجلس الشعب قرار حجب الثقة عن الحكومة


على أيّ حال، وُئدت سريعاً محاولة سحب الثقة من الحكومة خلال الجلسة التي لم يُسمح لوسائل الإعلام بحضورها. إذ على رغم توقيع 27 عضواً من المجلس على طلب استجواب الحكومة، إلّا أنه أُجِّل البتّ بالموضوع إلى جلسة لاحقة، ليخرج عدد من الأعضاء من تحت قبّة البرلمان إثر ذلك، ويعلنوا مقاطعتهم الجلسة التي تشبه سابقاتها بحسبهم. لكنهم سرعان ما عادوا إلى مقاعدهم ليجترّوا الطروحات نفسها في ما يتعلّق بالوضع الاقتصادي والمعيشي، من مثل زيادة الرواتب والأجور بنسب تراعي الظروف الاقتصادية، ووضع آليات دقيقة لضبط سعر الصرف، وإعادة النظر في سياسة الدعم. أما رئيس مجلس الوزراء، حسين عرنوس، الذي حضر الجلسة مع عدد من الوزراء، فقد ركّز في خطابه على توصيف الواقع من دون التطرّق إلى خطوات العلاج، معتبراً أن «الخطورة لا تكمن في الظروف التي نعيشها بقدر ما تكمن في عدم قدرتنا على رؤية تلك الظروف وتحدّياتها والتعامل معها، وبالتالي الاستمرار في السياسات نفسها من دون أيّ تغيير وكأن شيئاً لم يكن». وشدّد على أن «معطيات الواقع تتطلّب اتخاذ قرارات وإجراءات الهدف النهائي منها هو مصلحة الدولة والمواطن؛ فاقتصاد الدول لا يُدار بالعواطف والرغبات، وإنّما يدار على أسس من العقلانية والموضوعية والواقعية».

سقف التوقعات
يبدو أن بعض النواب تحمّسوا زيادةً قبيل الجلسة الاستثنائية، فعوّلوا عليها أكثر ممّا يسمح به الواقع، وجهّزوا أنفسهم كسلطة تشريعية لتقديم حلول للسلطة التنفيذية بهدف إنقاذ المواطن الذي وصل إلى «الحضيض»، قبل أن يخرجوا من الجلسة صفر اليدين. وفي هذا الإطار، تقول النائب عروبة محفوض، لـ«الأخبار»، إنه «لا نتائج محقَّقة من هذه الجلسة، لم نتوقّع أن نجتمع من أجل إعادة طرح المطالبات التي طالما تحدّثنا عنها في جلسات سابقة، الجلسة كانت عبارة عن كلام بكلام»، مضيفةً أن «مجريات الجلسة تمحورت حول تكثيف وتفنيد مطالب قديمة ودائمة ومتجدّدة متعلّقة بالوضع الاقتصادي والمعيشي من قِبل أعضاء مجلس الشعب، مقابل تبريرات وشبه اعتذار من قبل أعضاء الحكومة، من دون الوصول إلى أيّ حلول».
في المقابل، يعتبر النائب محمد حسان النجار أن «جلسة مجلس الشعب كانت هامّة وضرورية لتسليط الضوء على الحاجات الماسّة لتحسين الواقع المعيشي للمواطن»، متحدّثاً عمّا سمّاه «الدور الكبير الذي قام به البرلمانيون في تصويب بعض المسارات وتصحيح بعض الأخطاء، والاتفاق مع الحكومة على ذلك». ويشير، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «الجلسة الاستثنائية أثمرت تشكيل لجنة مشتركة تضمّ عدداً من أعضاء مجلس الشعب واللجنة الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء بهدف إعداد حزمة متكاملة من المقترحات العملية والفاعلة للنهوض بالواقع الاقتصادي والمعيشي والمالي والنقدي، وستكون هناك إجراءات مكثّفة خلال الفترة القادمة بعد وضع العديد من القرارات على طاولة رئاسة مجلس الوزراء والجهات الوصائيّة لتنفيذها في أسرع وقت ممكن».