تشهد المناطق السورية، منذ أيام، احتجاجات متفاوتة الحجم والشعارات، فجّرتها القرارات الحكومية الأخيرة برفع الدعم عن المحروقات، وزيادة الرواتب بنسبة لا تجاري حجم التضخّم الحاصل في البلاد. إلّا أن هذه الاحتجاجات، سرعان ما انزلقت في بعض المناطق، كما السويداء، إلى وجهة سياسية واضحة، تجلّت في رفع الشعارات المطالبة بتطبيق القرار 2254، وتحجيم دور روسيا وإيران في سوريا. وبينما لا يبدو أن ثمّة قيادة موحّدة لما يَجري، وأن المطالب تتّسم بالعشوائية، على رغم تركيزها في نقاط احتجاج كثيرة على الجوانب المعيشية والاقتصادية حصراً، يتخوّف السوريون المؤيّدون للإضراب الذي يعمّ محافظة السويداء حالياً، من انزلاقه إلى فخّ «الفتنة»، في ظلّ لجوء بعض المحتجّين إلى قطع الطرق، وإغلاق الدوائر الحكومية، واستعادة شعارات عام 2011. وفي هذا الإطار، تؤيّد سلام، وهي موظّفة حكومية من منطقة قنوات، الاحتجاجات والوقفات التضامنية، لكنها ترفض إجراءات من قبيل قطع الطرق، عازيةً ذلك إلى أن «الموضوع خطير، ويعمل على تمويت المحافظة من خلال انقطاع الحركة وإقفال الأسواق، ولا سيما إذا استمرّ الأمر لفترة طويلة، ما سيزيد الوضع الاقتصادي سوءاً». أمّا ضياء، وهو أحد سكان مدينة شهبا، فيرى أن من الضروري رفع وتيرة الاحتجاح للوصول إلى نتيجة، قائلاً: «ارتفع صوت المطالبات، لأن الناس ماتت من الجوع والعطش والفساد، ولن يتراجع الشارع حتى يجد استجابة حكومية سريعة». وعلى رغم توسّع الاحتجاجات، وعلوّ نبرة الشعارات المرفوعة خلالها، إلّا أن الواضح أن ثمّة مزاجاً رافضاً للعودة إلى سيناريو 2011. ومن هنا، يطالب سوريون من مختلف المحافظات، المحتجّين، عبر مواقع الـ«سوشل ميديا»، بعدم الانجرار إلى أيّ مسار عنيف، خشيةً من تجدّد الفوضى والاقتتال. وفي هذا الاتجاه، يَعتبر غسان، وهو من سكان محافظة طرطوس، أنه «يجب التنبّه إلى التحريض والتضليل الذي سيعمل البعض عليه لجرّ سوريا نحو الهاوية... المطالب محقّة، لكن يجب التنبّه إلى الأسلوب، ومن الواضح أن الحكومة السورية تسير في اتّجاه الحلّ».
ولعلّ ممّا يزيد من تلك المخاوف، أن الاحتجاجات الأكثر حدّة سُجّلت في السويداء، التي كانت ولا تزال هدفاً لمشاريع انفصال مشابهة لما هو قائم في شمال شرق سوريا. لكن الصحافي وهاج عزام، وهو ابن المدينة، يقول، في حديث إلى «الأخبار»، إن «فكرة الانفصال عن الدولة السورية غير واردة أو مطروحة ضمن الحركات الاحتجاجية أو في الرأي العام هناك، وهي مجرّد فرضيّة من غير الصحيح أن تتكررّ الإشارة إليها طالما لم تَظهر أيّ جهة على الأرض تتبنّاها أو تنادي بها»، مضيفاً: «ليست السويداء هي التي تحتجّ على الواقع فحسب، بل كلّ المحافظات السورية، عبر ما يكتبه السوريون على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، إلّا أن الاحتجاج انتقل إلى الشارع في السويداء، ربّما لأن هذه المنطقة اعتادت ذلك في السنوات الماضية، ولم يحدث فيها صِدام بين الأهالي والأجهزة الأمنية خلال معظم تلك الاحتجاجات». من جهتها، توضح الصحافية رهان حبيب (من الريف الغربي) أن السويداء «لم تَدخل في حالة استقرار منذ مدّة طويلة، بسبب حالات الشغب والأعمال غير المشروعة والنزاعات والخطف والسرقات وغيرها»، مضيفةً، في تصريح إلى «الأخبار»، إن «الوضع الاقتصادي والاجتماعي في محافظتنا مختلف عن غيره، وهو بحاجة إلى إعادة دراسة وتقييم وجهود حكومية منظّمة». وتشدّد على ضرورة «عدم تحميل الموضوع بعداً سياسيّاً يشوّه الحراك السلمي الخالي من أعمال العنف والتخريب على عكس ما يروج له البعض»، متمنيةً أن يستمرّ الهدوء السائد حتى تتجاوب الحكومة مع المطالب.
يطالب سوريون من مختلف المحافظات، المحتجّين، عبر مواقع الـ»سوشل ميديا»، بعدم التوجّه نحو أيّ مسار عنيف


والواقع أن هذه التمنّيات ليست مستحيلة التحقّق، وخصوصاً في ظلّ موقف رجال الدين المائل إلى تهدئة الشارع، إذ إن شيخ العقل، حكمت الهجري، على رغم أنه أيّد الاحتجاجات في منطقة قنوات، إلّا أنه طالب المحتجّين بعدم تخريب مؤسّسات الدولة أو الاعتداء على المرافق العامة، وحثّهم على عدم السماح لأحد بأن يشعل فتيل فتنة جديدة. وجاء في بيان أصدره: «حقّكم أن تطالبوا بالعيش الكريم، ولنطرد من بيننا كلّ مَن يتدخّل لمحاولة تشويه براءة ومصداقية المطالبات بأيّ وسيلة كانت، فالشعب بريء منه ولن يؤثّر على الصادقين». وأضاف مخاطباً من يحاولون حرف الاحتجاجات عن مسارها: «لا تزايدوا ولا تحرّفوا توجّهات الاحتجاج، واحذروا من تكرار ما يشابه ما مررنا به سابقاً». وفي الاتجاه ذاته، يرى الشيخ حمزة حمزة (إمام قرية رساس) أن «مطالب الناس محقّة، والتعبير عنها حقّ مشروع»، وأن «الاحتجاجات واعية وملتزمة بتوجيهات واضحة من الرئيس الروحي للطائفة التوحيدية، بأن تكون بعيدة من الفوضى». ويضيف حمزة، في حديثه إلى «الأخبار»: «الاحتجاج مستمرّ ولن يتوقّف حتى يعمّ كل أرجاء المحافظة، فالناس لم يَعُد لديهم ما يخافون أن يخسروه، ومن غير المعقول أن يموت الإنسان من الجوع في وطن دفع ثمنه دماً، ولا تراجع حتى تحقيق المطالب، والنتائج مرهونة بالاستجابة وبتعاطف المحافظات الأخرى والذي سيكون وسيلة ضغط أكبر وأقوى».
على الضفة الحكومية، وبينما ساد إغفال شبه تام من جانب الإعلام الرسمي والخاص لما يجري، «حتى لا يأخذ الموضوع أكبر من حجمه»، لم يستطع ممثّلو الدولة على الأرض تجاهُل الاحتجاجات والإضراب. ولا ينكر أنور الحسينية، وهو عضو قيادة فرع «حزب البعث» في السويداء، أن «ظهور الاحتجاجات كان نتيجة حالة استياء على المستوى الشعبي، سببها عدّة عوامل متعلّقة بالوضع المعيشي الصعب بعد صدور قرارات اقتصادية غير مدروسة، وما يرافق ذلك من تأثير الحرب الإرهابية على الوضع الاقتصادي، وانتشار حالات الخلل والفساد والتقصير في الأداء، فازداد الضغط على الشعب، الذي عبّر عن استيائه بطريقة الاحتجاج». ويستدرك، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «جزءاً من هذه الاحتجاجات تحوّل إلى حالة من الفوضى، وخاصّة مع وجود بعض الجهات التي لها مصلحة في استغلال الأوضاع وتوظيفها لإشعال الفتن، ويُخشى من قيام البعض باستغلال المطالب المحقّة للناس بشكل سلبي يحرف مسار الاحتجاجات».