السويداء | ترتفع أصوات الاحتجاحات في السويداء، فيعلو سقف الشعارات وتزداد طموحات المحتجين الذين بدأوها بمطالب شعبية يريدها كل المواطنين في جميع المحافظات، لكن عندما مسّت مطالبهم رأس الهرم، قُوبلت بمسيرات مؤيدة في مناطق سوريّة عدة، وصِفت بعضها بـ«المستفزة»، كتلك التي خرجت في محافظة طرطوس بالسيارات الفارهة، فيما عادت الهوّة لتتسع بين «الطوائف» السورية من خلال «مهاترات» وسائل التواصل الاجتماعي. وبعد مرور أكثر من أسبوع على النزول إلى الشارع، لا وجود لأيّ استجابة حكومية من قبل الجهات المعنية، مع استمرار «التطنيش» الإعلامي لما يحدث على الأرض.مع ذلك، فَقَدَ احتجاج السويداء جزءاً من التأييد الكبير الذي كسبه في أيامه الأولى، من أبناء المحافظات الأخرى، إذ إن المطالبات السياسية والشعارات التي استهدفت رئيس البلاد، أسقطت ذلك التعاطف الذي تحوّل إلى معارضة لما يطالب به المحتجون، وانتشرت حملة «فيسبوكية» من مؤيدي الحكومة تنادي بإيقاف ما يحصل الآن قبل الدخول في حرب جديدة تشبه حرب 2011، إلى جانب العديد من المسيرات المؤيدة التي تدعم الرئيس بشار الأسد. يقول سامي (ابن محافظة اللاذقية): «كنا مع محتجّي السويداء ومطالبهم في بداية الأمر، وفكّرنا بأن تخرج سوريا كلها من أجل المطالب ذاتها. أما اليوم، بعدما تبيّنت حقيقة تلك التظاهرات وطائفيتها، فنحن نرفضها ونعارضها بشدة».

استهداف «البعث»
عمد المحتجّون في مدينة السويداء، صباح أمس، الى إقفال الباب الرئيسيّ لمقر قيادة فرع «حزب البعث العربي الاشتراكي»، والإعلان عن إغلاق جميع فروع ومكاتب الحزب في جميع مدن وقرى المحافظة، ومنع دخول الموظفين إليها، في بيان صادر عمّا سمّوه «الانتفاضة الشعبية في السويداء»، تضمّن عبارات مسيئة لشخص أمين الفرع. ويرى مدير مكتب جريدة «البعث» في السويداء، رفعت الديك، أن ما حصل هو إساءة لجميع الحزبيين، ومع ذلك تم التعامل مع الموقف بكثير من ضبط النفس وتجنّب الصدام الذي لم يدم طويلاً. ويضيف لـ«الأخبار»: «كانت الجهات المعنية قادرة على منع هذا العمل، وخاصة أنه جرى الإعلان عنه قبل ليلة الحدث، إلا أنها تسعى جاهدة لعدم وقوع أي شكل من أشكال العنف. لكن يبدو أن المشهد يتحوّل إلى إعادة سيناريو التفاف حزب البعث في العراق، ووجود استهداف واضح للحزب الذي يعدّ مكوّناً أساسياً في المحافظة ويشكّل خُمس عدد سكانها، وخاصة بعد تحوّل مطالب المحتجين إلى إسقاط النظام، بعدما كانت خفض الأسعار أو إقالة الحكومة في أحسن الأحوال». ويوضح الديك أن «تطور الأحداث في السويداء جرى مثله سابقاً في سوريا؛ حيث يبدأ مخطّطو التظاهرات والاحتجاجات بمطالب محقّة، ويجمعون حولهم حاضنة شعبية كبيرة، ثم يكشّرون عن أنيابهم». ويضيف: «أعداد المحتجين بدأت تتراجع، وهذا طبيعي، إذ إن الحاضنة الشعبية بدأت تكتشف خفايا الأمور. في المقابل، ليس هناك مواجهة تجاه المتظاهرين، سواء في الساحات أو من يقطعون الطرق ويغلقون الدوائر الحكومية، لكن من المؤكد أن أهالي السويداء في لحظة معينة سيطالبون الجهات المعنية بإيقاف هذا التحرك الشعبي حتى لا يتطور المشهد أكثر من ذلك».
لا يزال مشايخ عقل طائفة الموحّدين الدروز يحاولون المحافظة على هدوء الحراك مع تأييدهم له


في انتظار ردة الفعل
لم يؤثر اتساع رقعة الاحتجاجات في المحافظة على استمرار الحياة فيها، على رغم الإيقاف الجزئي لبعض الدوائر الحكومية، وخاصة مع مطالبة من الناس باستمرار عمل دوائر معينة لا يمكنهم الاستغناء عنها، كالقصر العدلي.
وعن أعداد المحتجين، تقول و. ح. وهي حقوقية وناشطة مدنية رفضت الإفصاح عن اسمها الكامل، لـ«الأخبار»: «تزداد أعداد المحتجين كل يوم، ضمن الاعتصامات والوقفات التي تستمر لليوم الثامن على التوالي، ولا تتركز في المدينة فقط، بل تشمل نقاطاً متعددة في كل ريف السويداء، ويُسجل يومياً ما لا يقلّ عن 35 نقطة احتجاج سلمية في جميع أرجاء المحافظة من قبل محتجين يرفعون لافتات ومطالب معيشية وسياسية بناءً على ما يريده الشارع. وتركّز تلك المطالب على عودة المعتقلين والمغيّبين قسراً بسبب آرائهم السياسية، إلى جانب المطالب المعيشية الضرورية واللازمة»، وتشير إلى وجود العديد من الوقفات النسوية، ومشاركة النساء والأطفال في الكثير من التظاهرات»، وتضيف إن «المحافظة تعيش حياة شبه طبيعية، يتخلّلها بعض التوتر، وخاصة مع توجّس الناس من عدم إبداء الحكومة أيّ ردة فعل حتى اللحظة، وسيطرة شعور الخوف من الخطر الأمني على البعض»، وتقول: «هذا يدل على عدم اعتراف بأحقية المطالب الشعبية».

تهدئة الحراك
لا يزال رجال الدين ومشايخ عقل طائفة الموحدين الدروز في السويداء يحاولون المحافظة على هدوء الحراك مع تأييدهم له. فقدتابع شيخ العقل، حكمت الهجري، توجيهاته - من مضافته - بالمحافظة على الأملاك العامة والخاصة، ومحاسبة وإيقاف أي شخص يسيء باللفظ أو الفعل عند حدّه، وذلك من أجل المحافظة على سلمية الاحتجاجات حتى الوصول إلى الحقوق المُطالَبِ بها. وهذا ما يؤكده أيضاً الشيخ عبد الوهاب أبو فخر، الذي يقول لـ«الأخبار» إن «الأزمات الكثيرة التي تعرّضت لها بلادنا استدعت تبني مواقف معينة، وهي المطالبة الجادة بحل تلك الأزمات وتحسين الأمور، لكن هناك من خرج عن تلك المطالب وانجرّ إلى أمور نحن بغنى عنها»، مشيراً إلى «ضرورة الانتباه إلى الوقوع في شرك الفتن، وخاصة مع انتشار خطأ رفع أعلام طائفة الدروز في الاحتجاجات»، ويعتبر أن «هذه الأحداث هي أحداث وطنية يجب ألا يظلّلها إلا علم الوطن»، ويجب تفعيل دور رجال الدين في تنبيه الشباب إلى عدم الانجرار نحو الأهواء التي لا تعرف عقباها، وعدم الخروج عن المألوف، وإعادة توجيه بوصلة الحراك إلى المسار الصحيح. ويقول: «الوطن أولاً وأخيراً.. وباقي الأمور تُعالج مع الوقت».