بعد فشل جميع المحاولات السابقة لجمع شتات الفصائل الموالية لتركيا ومأسستها، ووضع هيكلية موحّدة في الشمال السوري الذي يشهد صراعاً واسعاً متواصلاً على السلطة، بدأت مجموعة من وسائل الإعلام المعارضة، المقربة من أنقرة، التسويق لمشروع جديد يهدف إلى توحيد تلك الفصائل، إلى جانب وضع أسس لهيكلية اقتصادية، من شأنها أن تخفّف النفقات التي يتحملها الأتراك، بالإضافة إلى توفير بيئة أكثر قابلية للتسويق بين اللاجئين السوريين الذين ضاقت بهم تركيا، لدفعهم إلى العودة إلى سوريا. وكان قد سبق المشروع الجديد، عقد سلسلة من اللقاءات الاقتصادية والمؤتمرات، آخرها مؤتمر استثماري في مدينة الراعي القريبة من الحدود التركية شمالي حلب، حضره والي كلّس ومستثمرون أتراك وآخرون من الولايات المتحدة، تحت عنوان: «الاستثمار: استقرار، تنمية وازدهار»، وخلص إلى وضع تصورات عدة لمشاريع استثمارية تأمل أنقرة أن يتم تنفيذها، ما من شأنه توفير فرص عمل للاجئين.وأثناء المؤتمر المذكور، ناقش المجتمعون الأوضاع الأمنية، والصراع الفصائلي المستعر، بالإضافة إلى الاعتماد شبه الكامل على الدعم التركي. كما حاول المشاركون تقديم مقترحات في خصوص الخطوات التي يجب اتخاذها على الأرض لتوفير الظروف الملائمة لنمو النشاط الاقتصادي. ومن أبرز النقاط التي تناولها هؤلاء: حركة البضائع بين المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة، وتحكّم الفصائل في المعابر، الأمر الذي يعيق حركة البضائع من جهة، ويجعل العوائد المالية حكراً على جماعات دون أخرى، بعيداً عن «الحكومة المؤقتة» التي تشكل مظلة إعلامية وسياسية فقط، ولا تتمتع بأي صلاحيات فعلية على الأرض. ومنذ نحو أسبوعين، بدأت وسائل إعلام معارضة الحديث عن مشروع اقتصادي يهدف إلى تقليص تحكم «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة - فرع تنظيم القاعدة السابق في سوريا) في حركة المعابر بين إدلب وريف حلب الشمالي، مسوّقةً لإمكانية إنشاء معبرين موازيين لمعبرَي «الغزاوية» و«دير بلوط»، بالإضافة إلى تقليص عدد الفصائل عبر عمليات دمج متلاحقة، تنتهي بوضع هيكلية واضحة المعالم تربطها بـ«وزارة الدفاع» في «الحكومة المؤقتة»، ما يشكل ربطاً اقتصادياً وعسكرياً وأمنياً يوفر بيئة أكثر ملاءمة للاستثمار، وفقاً لما يجري تداوله.
تتواتر أنباء عدة عن تجنيد مقاتلين للقتال في أوكرانيا بدعم من شركة «سادات»، التي تربطها علاقات متينة مع حكومة إردوغان


وليست الخطة التي يجري الحديث عنها، رغم ارتباطها بـ«مؤتمر الاستثمار»، جديدة أو غير مسبوقة، وإنما هي منسوخة بشكل كامل عن ثلاث تجارب سابقة منيت جميعها بالفشل، آخرها خطة حاولت تركيا فرضها على الفصائل نهاية عام 2022، وسط تهديد بالسماح لـ«هيئة تحرير الشام» بقضم ريف حلب كاملاً، وفرض هيكليتها التي بنتها في إدلب. وفي السياق، ترى مصادر في المعارضة السورية، تحدثت إلى «الأخبار»، أن «مشكلة شمالي سوريا مزدوجة، ومرتبطة بطبيعة التركيبة الفصائلية وتعدد أيديولوجياتها من ناحية، وبتركيا نفسها وبطريقة إدارتها لتلك المناطق من ناحية ثانية»، موضحةً أن «الفصائل التي تنشط تتمتع جميعها بعلاقات مع أطراف تركية. وبينما يرتبط بعضها بالاستخبارات التركية، يقوم بعضها الآخر بالتنسيق مع الجيش التركي. كما تنشط فصائل أخرى بدعم وتنسيق كامل مع شركة "سادات" الأمنية، التي تقوم بتوفير مقاتلين (مرتزقة) وإرسالهم للقتال في مناطق حول العالم لتأمين المصالح التركية من دون تورط الجيش التركي بشكل مباشر، كما حصل في ليبيا وأذربيجان». والجدير ذكره، هنا، أن أنباء عدة تتواتر عن تجنيد مقاتلين للقتال في أوكرانيا بدعم من شركة «سادات» المذكورة، التي تربطها مع حكومة الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، علاقات متينة، وصلت، خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، إلى نشر تهديدات غير مباشرة بإمكانية تدخل الشركة في حال خسر إردوغان الانتخابات، ما تسبّب في جدل واسع حينها في الشارع التركي.
وفي خضمّ ذلك، ترى المصادر نفسها، أن أنقرة التي تحاول جاهدة توحيد الفصائل، «تتجاهل هذه المشكلة التي تتسبب هي فيها، أي تعدد الجهات التي تحاول التحكم في المشهد في الشمال السوري»، ما يمكن اعتباره أحد أبرز الأسباب لفشل مشاريع توحيد الفصائل، بالإضافة إلى نزعة التوسع التي تتملك معظم الجماعات هناك. ومن جهتها، استثمرت «هيئة تحرير الشام» هذه الظروف وأسست لنفسها حضوراً متيناً، سواء عبر نشر عناصر تابعين لـ«الهيئة» في مناطق عدة شمالي سوريا، أو عبر التحالفات والاتفاقات التي عقدتها مع عدد من الفصائل، الأمر الذي يمثّل بدوره إحدى أبرز العقد التي تواجه محاولات التوحيد التي يجري التسويق لها.