مَسَخَ المخرج المسرحي اللبناني، برونو جعارة واقع العلاقات الزوجية المأزوم، بطريقة سطحية، وبدائية ومبتذلة. «حماتك بتحبك» تندرج ضمن السلسلة نفسها التي يُضيء جعارة عليها: سلسلة البذاءة، والعشوائية، والسخافة في طرح مواضيع شائكة، تتطلّب تفكيراً ملياً وطريقة تقديم معمّقة لمفاهيم الإنجاب، والعلاقات الزوجية المفتوحة، واللذة الجنسية. كعادته، يقفز جعارة فوق التفكير في المضمون المسرحي المعقّد الذي يتناوله، والشكل المسرحي الذي يعمل عليه، حتى إنّنا نكاد لا نعلم أيهما الأسوأ: الشكل أم المضمون؟ أين يمكن إدراج «حماتك بتحبك»؟ ضمن أي خانة؟ كوميديا سوداء، كوميديا برجوازية، كوميديا صالونات؟ لا شيء واضحاً سوى أن العمل فرصة «ضحك ليوم الضحك». الحبكة سطحية جداً: «الحماة» عفيفة (فيفيان بُلعط)، تزور ابنتها جومانة (باتريسيا سمَيرا)، المتزوجة منذ سبع سنوات. تحاول الأم أن تقنع ابنتها بخيانة زوجها (باتريك شمالي)، سرّاً مع أقرب أصدقائه (محمد عساف) بهدف إنجاب طفل. تتشعّب الأحداث بطريقة هستيرية، غير مدروسة، إذ لا يكاد المتفرّج يعي حقيقة ما يرى على الخشبة لفرط السخافة. تتفرع الأحداث الصغرى، وتتكاثر، وتطل الشخصيات الثانوية تباعاً، حتى نصل إلى نهاية العقدة الأساسية التي تكرّس مفهوم «أنّ الذكر والأنثى يخونان، والرب يمكنه أن يتوب عنهما، لاستكمال حياتهما بشكل عادي»، فهل فضاء العلاقات الزوجية المعقد يُعالج على هذا النحو؟ وهل ترك المخرج لنا فرصة للتساؤل عن كل الطروحات التي قدمها بطريقة «كوميدية»؟
الشخصيات في «حماتك بتحبك» منمّطة، كالعادة، ولا يحركها إلا الجنس والغرائز والشهوات. «الحماة» تزوجت أكثر من ست زيجات، والكل توفي، وما زالت في أوج جمالها، حتى إنها لا تكاد توفر فرصة لإثارة أي شاب. الابنة التي تخون زوجها، لا تقدم سوى الإغراء والانصياع. أما زوجها، فهو في غاية الضعف الجنسي، والعاطفي، والاجتماعي. كل شخصية غير مدروسة، لا تسمح لنا بالتعمق فيها.
الديكور واقعي، لا تُستخدم أغلبية القطع السينوغرافية فيه. في خلفية المسرح، ثلاث لوحات لمناظر طبيعية (تبقى مضاءة طوال العرض)، قد نعجز عن ربط دلالاتها بأي معنى. نفاجأ بالخيار الموسيقي الذي قدم على الخشبة، مثل أغنية «مافيا مافيا» للفنان المصري محمد رمضان، التي تتمايل عليها «الحماة» وترقص بمؤخرتها أمام الجمهور. ما جدوى لوحات الرقص؟ لم نفهم!
«حماتك بتحبك» مرهقة ومملة. الممثلات والممثلون، لا يعون حقيقة تنقلاتهم على المسرح أو أدائهم، من الواضح أنهم تركوا لأقدارهم، من دون أي توجيه من المخرج. الانفعالات غير صادقة، والغروتيسك، في بعض الأحيان، كان سيّئاً جداً، وخصوصاً أنه اقتصر على اللباس، وتضخيم الصوت، والسرعة في الكلام. إذا كانت الحجة نقل واقع الحياة على الخشبة، فهل يجب اقتطاف جزء منها، والتركيز عليه حصراً، ونسخه كما هو على المسرح! يمكن القول إن المخرج حوّل مفاهيم اللذة والشهوة، وما يحوم حولها من تساؤلات، إلى مادة لجذب الجمهور. لا ضير من ذلك، لكن أهكذا يكون التقديم؟ الأمور لا تستدعي إلا شيئاً واحداً من قبل القيّمين والعاملين في مسرحية «حماتك بتحبك»، هو إعادة التفكّر في أدوار المسرح المتعددة، وأشكاله ومضامينه، حتى لا يكون «مساحة فارغة» من المعنى.

* «حماتك بتحبك»: حتى الأول من تشرين الأول (أكتوبر) ــ مسرح «مونو» ــ البطاقات متوافرة في «أنطوان» وعلى باب المسرح ـ للاستعلام: 70626200