في عرضها «شجرة التين» الذي يُقدّم اليوم على خشبة «مونو»، تُعيد الممثلة المسرحية الفلسطينية رائدة طه، تركيب وقائعَ شخصيةٍ وفعليةٍ، وتقديمها من خلال التخيّل والسرد. تصحبنا بين غصون أشجار التين، المترامية في خلفية خشبة المسرح، لتستحضر مرويات وحكايات فلسطينية. تستوحي عنوان مسرحيتها من ذكرياتها القليلة مع «علي» والدها، الذي كان يُطعم بناته الأربع من شجرة التين في دارهم في القدس، حيث ورثت جزءاً من الذكريات، وأيضاً «زيّ ما بقولوا عملت ذكرياتي بإيدي»، لتصبح الذكريات والحكايات والمرويات، نتاجاً ثقافياً وفنياً وتراكمياً، هدفه مساءلة أنفسنا عن الواقع والمصير.تقيم رائدة طه في بيروت منذ صغرها. هي ابنة هذه المدينة، ابنة رأس بيروت. وجودها وانشغالاتها هنا، لا تمنعها من متابعة تحولات المدن العربية الكبرى كالقاهرة، وبغداد، وليبيا والمغرب، وغيرها. ترى أنّ مصير شعوب المنطقة، مفروض عليها، وهناك محاولات لنزع الإنسان العربي وتدمير مصيره. يتقاطع ذلك مع مجمل المعاني التي يكرّسها العرض، بما فيها المصير.
تقوم مسرحية «شجرة التين» على المرويات والتاريخ الشفوي للنساء الفلسطينيات. «الجزئية التي أعمل عليها في هذا العرض تسهم في العملية التراكمية، وتتمثل هنا في كتابة التاريخ الشفوي، من فم نساء العائلة، لأنّ المرأة هي التي تنقل القصة دائماً من جيل إلى جيل. أكتب عن روايتي، التي تنعكس على روايات كثيرين، وتحمل في طياتها أبعاداً متعددة من التاريخ والجغرافيا الخاصة بفلسطين، وفق لون وطعم ورائحة ونكهة تشبه من حيث أتيت، تشبه فلسطين». تتابع رائدة في معرض حديثها عن ذلك، «حضارة شعب فلسطين، لا يجب أن تتلاشى بفعل مترتبات الطرد الجماعي، وما رافقها ويرافقها من سجن، وتعذيب، واعتقال، وتهجير. ولذلك، أتكلم عن الوجود، لتعزيز الهوية وتوضيح معالم وصورة الفلسطيني، قبل أن يصبح لاجئاً، بفعل الطرد الذي جعله عبئاً على العالم».
من خلال عملها في المسرح، توضح أنّ الأخير لا يوجِدُ حلولاً، وإنما يطرح قضايا قابلة للتفكيك والتوضيح، لخلق صورة أكثر اكتمالاً. «لا أريد إقناع الآخر بأنني إنسان، وإنما أريد أن أدخل الآخر بأصلي، ولماذا حصل معي كل ذلك، وأين وصلت... القضية الفلسطينية حتى اليوم، هي نقطة ضعف بالنسبة إلى الشعوب، هي جرح. وتشجيعاً لذلك، يصفّق لنا الجميع، وأنا أقول إننا كفلسطينيين، لسنا منزّهين، وبالتالي لا أحب وضعنا في هالة من التقديس، ارتكبنا أخطاءً في تاريخنا، بالرغم من كل النوايا الحسنة، لذلك أبوح بالأخطاء التي حصلت معنا، بهدف المساءلة. لا أحب أن أعيش دور الضحية، وأحب أن أسائل من موقعي كفنانة ومجابهة لتحقيق عملية التغيير».
الاقتضاب السينوغرافي سمح للمسرحية بالتجوّل في عدد كبير من المدن والمخيمات


على مستوى السينوغرافيا، تتلاشى أغصان التين، على المسرح، يتقدّمها كرسي وطاولة وبعض الأغراض، التي تُستعمل بأكملها لسرد المعنى، الذي تقدمه طه في عرضها. تتّشح الممثلة في هذه المونودراما بالسواد، وتظهر على الخشبة، بكل عنفوانها، وقوة حضورها، وشخصيتها المرحة، ولكنتها الفلسطينية المحببة. عمدت رائدة طه إلى الاقتضاب السينوغرافي، وفقر المسرح بأغراضه، ما سمح لها بأن تجوب بعرضها «شجرة التين» في مدن عديدة، وأيضاً في مخيمات الشتات، لأنها تحررت من «العلبة الإيطالية»، وشروط الفضاءات المغلقة. تعليقاً على ذلك، تقول رائدة طه إنّ أحلى ما في بيروت هو المسرح. من خلال شوشو والجيل الأول من الرواد المسرحيين، وزياد الرحباني وغيرهم، تعرّفت إلى معنى المسرح، الذي كانت قد بدأت بممارسته أيام المدرسة والجامعة.
عندما تقدم رائدة طه أي عرض اليوم، تتوق للّقاء بالمتفرجين، الذين يتفاعلون بسمعهم وحضورهم وتجاوبهم. تلتقي عادةً بالجمهور بعد العرض، وعندما تصادف أي طفل تسأله عن اسمه. بعد أن يجيب، تسأله «من أين أنت؟ فيقول من سحماتا، أو الكابري، أو غيرهما». من موقعها كفنانة، تعوّل رائدة طه على حركة التاريخ، مضيفةً «أنا متفائلة جداً على المدى البعيد. نعيش زمن الانهيار، لكنّنا نعلم أنّ الثابت الوحيد هو التغيّر، لا شيء يستمرّ، وليس هناك من قوة تستمرّ. لكنّ السؤال الأكبر هو ليس متى تتحقّق العودة، وإنما كيف تتحقق؟».

* «شجرة التين»: س: 20:30 مساء اليوم الأربعاء ــــ «مسرح مونو» (الأشرفية ـ بيروت) ـ البطاقات متوافرة في فروع مكتبة «أنطوان» و«أنطوان أونلاين».



على خطى غسان كنفاني
رائدة طه التي لقيت أعمالها حفاوةً جماهيرية أبرزها «ألاقي زيّك فين يا علي»، و«بترا روكس»، و«36 شارع عباس حيفا»، تحضّر حالياً عملاً مسرحياً جديداً يتمحور حول غسان كنفاني، بالتعاون مع المخرج والدراماتورج جنيد سري الدين. العمل المقرّر أن يبصر النور في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، يأخذ الجانب الإنساني والأخلاقي والحقيقي. تقول: «سأظل أعمل، وكلنا علينا أن نعمل، كل منّا من جبهته عليه أن يسهم، لتبقى فلسطين عايشة ومستمرة»، ربما حتى تحقيق العدالة، أو ربما العودة إلى شجرة التين «التي يغمرها ندى الحياة، لمدى الحياة»