تونس | تصدّرت فلسطين المشهد في افتتاح الدورة الرابعة والعشرين من مهرجان «أيّام قرطاج المسرحية» التي انطلقت مساء أوّل من أمس السبت في «المسرح البلدي»، أعرق الفضاءات المسرحية بتصميمه المعماري الإيطالي البديع وسط شارع الحبيب بورقيبة. حملت غالبية الحاضرين الكوفية الفلسطينية كتحيّة رمزية للشعب الذي يقاوم حرب إبادة غير مسبوقة في التاريخ المعاصر.كانت البداية مع كلمة مدير المهرجان، معز مرابط، الذي حمل الكوفية الفلسطينية وأعلن عن افتتاح النسخة التي ترفع شعار «بالمسرح نحيا... بالفن نقاوم»، قائلاً إنّ الحدث «نحت على امتداد دوراته السابقة ملحمة فنية تزخر بالمسرح في أرقى تجلياته وفي مختلف أبعاده وجماليّاته، وقد مثّل موعداً إقليمياً وعالمياً بارزاً لاستكشاف تجارب الفن الرابع، وخاصة منها التجارب العربية الأفريقية التي تمثل جزءاً لا يتجزأ من الهوية التونسية».
وأضاف أنّ «دورة هذا العام تختلف في أجوائها عن الدورات السابقة إذ يمتزج الفخر ببلوغ مرتبة النضج والاكتمال بمشاعر الألم والغضب والقلق والانشغال»، ولا سيّما أنّها دورة تحتفي بمرور 40 عاماً على تأسيس المهرجان، وتتزامن مع الهجوم الإسرائيلي المستمر على غزة».
وأردف أنّ المسرح «يظل على مدى الزمن أرقى أشكال الفن التي تنشر أسمى الفضائل وأنبل القيم... واسمحوا لي أن أتبنّى أصواتكم جميعاً لأؤكّد أنّ «أيّام قرطاج المسرحية» دائماً ما كانت، وستظّل، مناصرة لقضايا الحق والعدل وكرامة الإنسان، أينما كان، ومنها القضية الفلسطينية... أجل نحن معكم إلى أن «تصبحون على وطن» كما تنبّأ الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش».
وتابع المئات قبالة «المسرح البلدي» عرضاً أدائياً إسبانياً بعنوان «فاينال» جمع بين فنون السيرك والكوريغرافيا قبل الانتقال إلى مراسم الافتتاح داخل المسرح، والتي خلت من أي مظاهر احتفالية تضامناً مع أهالي قطاع غزة. وكان الحاضرون على موعد مع الافتتاح الرسمي في مدينة الثقافة عبر «كتاب الأدغال» للمخرج المسرحي التجريبي الأميركي روبرت ويلسون. وعلى الخشبة، قرأ نجم السينما والمسرحي التونسي رؤوف بن عمر، والمسرحية اللبنانية حنان الحاج علي نصّاً للشاعر الفلسطيني حيدر الغزالي بعنوان «هنا غزّة»، فيما كانت إطلالة للمغنية السورية لين أديب. وتذكّر المهرجان في الافتتاح عدداً من الفنانين الذين رحلوا أخيراً، منهم الممثل والمخرج عبد الغني بن طارة، والممثلة ريم الحمروني، وفنان تحريك العرائس لسعد المحواشي. ومن بين الأسماء التي تشملها التكريمات: اللبنانية نضال الأشقر، والثنائي اللبناني حنان الحاج علي وروجيه عساف، والممثل الإيراني أمين زندكاني، والممثلة الإيرانية إلهام حميدي، وفنان العرائس يايا كوليبالي من مالي، والممثلة التونسية ناجية الورغي، والإعلامية المصرية هالة سرحان، والممثل التونسي حسين محنوش، وغيرهم.
يتنافس في المسابقة الرسمية للمهرجان 11 عرضاً، من بينهما اثنان يمثّلان تونس، هما: «الفيرمة» للمخرج غازي الزغباني، و«الهروب من التوبة» للمخرج عبد الواحد مبروك. ومن بين المسرحيات التي ستتنافس على «التانيت الذهبي»، هناك أيضاً: «تراب الجنون» من الجزائر، و«صمت» من الكويت، و«أنتيجوني» من الأردن، و«شمس» من المغرب، و«حكم نهائي» من مصر، و«ترحال» من سوريا، و«أغنية الرجل الطيب» من الإمارات، و«أمل» من العراق، و«220 مسكن» من ساحل العاج. علماً أنّ فلسطين تحضر خارج المسابقة بمسرحية «عوالم» لإميل سابا وكليمون دازين لـ «مسرح عشتار». وتعود ليبيا بعد غياب طويل بمسرحية لـ «فرقة بنغازي للفنون المسرحية» من إخراج فرج أبو فاخرة. وتضمّ لجنة التحكيم الدولية التي يرأسها وحيد السعفي: نعيمة زيطان من المغرب، وبيار أبي صعب من لبنان، جواو برانكو من الرأس الأخضر، وأوديل كاتيز من رواندا. كما يقدَّم في قسم «العروض الموازية» 24 عرضاً من العراق، وليبيا، وفلسطين، والسعودية، والسنغال، وهولندا، وسوريا، وتونس إضافة إلى 20 عرضاً في قسم «مسرح العالم» و4 عروض في قسم «تعبيرات مسرحية في المهجر»، فضلاً عن ورش عمل وندوات.
وتخصّص الندوة الدولية لمحور «المسرح وجمهوره اليوم أو اكتمال الفعل المسرح» التي يشرف عليها محمد المديوني، فيما تحمل الثانية عنوان «كونية أنطون تشيخوف: المجالات والامتدادات» بإشراف حمدي الحمايدي.
واختارت «أيام قرطاج المسرحية» عدداً من الأعمال المسرحية لجيل جديد من المسرحيين التونسيين تمثّل بانوراما المسرح التونسي اليوم، كما اختارت في قسم «مسارات» مسرحيتين لتوفيق الجبالي، «المجنون» عن جبران خليل جبران، و«آخر البحر» لفاضل الجعايبي، إلى جانب كتاب محمود الماجري «أربعون عاماً من أيّام قرطاج المسرحية». أما معرض «دروب»، فيوثّق للحدث ولـ «مؤسسة المسرح الوطني» التي استعادت في هذه النسخة مهمّة الإشراف.
زخم مسرحي كبير ستعيشه العاصمة التونسية التي ستكون حتى 10 كانون الأوّل (ديسمبر) الحالي مقصداً للمسرحيين المحليين والعرب والأفارقة.