مقالات مرتبطة
يمكن البدء من ساندرز الذي تموضع في موقع المنافس الأوفر حظاً حتّى بعد انتخابات آيوا، إذ ربما يكون بوتيدجيدج الفائز الأكبر هناك من حيث عدد المندوبين، لكنّ ساندرز كان الفائز بأكبر عدد على مستوى «التصويت الشعبي» في المؤتمرات الحزبية كافة في الولاية. انطلاقاً من هذا الواقع، اعتمدت حملته على زخم ذلك الاستحقاق، لتحوّله إلى فوز في نيوهامبشر، ولو بهامش ضيّق، على بوتيدجيدج الذي تلته كلوبوشار، ثمّ وارن، وبعدها بايدن. تراتبٌ يعطي دفعاً للمرشحين الثلاثة الأوائل، ولا يمنع بايدن من التعويل على العودة إلى الواجهة، خصوصاً في تمهيديات كارولينا الجنوبية، المرتقبة بعد نيفادا، على اعتبار أنّه قد يحوز أصوات الأميركيين السود في تلك الولاية.
تبقى التحديات التي يواجهها ساندرز صغيرة مقارنة مع غيره من المرشحين
مع ذلك، في ظلّ تقيّد المرشّحين بجدول زمني ضيّق، بات على بايدن وكلّ منافسيه هضمُ المتغيّرات في كلّ استحقاق، من دون إغفال الالتفات إلى متطلّبات لخّصها جون كاسيدي، في مجلة «ذي نيويوركر»، بأربع صفات يجب أن يتمتّع بها المرشّح كي يكون مقبولاً ومفضَّلاً: الرسالة الواضحة، الكثير من المال (للدفع للعاملين معه والإعلانات)، شبكة من المناصرين على مستوى وطني، ومجموعة متنوعة من الناخبين. حتى هذه المرحلة، ليس من الواضح هل أي من المرشّحين الرئيسيين يجيب عن هذه المتطلّبات الأربعة، لكنّ ذلك لا يمنع من الإشارة إلى أن ساندرز يبدو الأقرب لامتلاكها. فكثيرون يُجمعون على أنه الديموقراطي الذي يتمتّع بحركة شعبية قوية على مستوى البلاد. كما أنه جمع 34.5 مليون دولار في الربع الأخير من 2019، فضلاً عن أن رسالته واضحة جداً، وهي تتلخّص بما قاله في خطابه، عن أنه يريد أن يخلق «اقتصاداً وحكومة تعمل لنا كلّنا، وليس للمساهمين الأغنياء في الحملة». أمّا السؤال الأساسي: كيف يمكنه أن يوسّع قاعدة مناصريه لتصل إلى أكثر من الناخبين الشباب والتقدّميين ذوي الميول اليسارية؟ ربّما يكون الجواب في نيفادا، أو كارولينا الجنوبية، حيث للتنوّع السكاني والأميركيين السود ومن أصول لاتينية كلمة فصل.
رغم ما تقدّم، تبقى التحديات التي يواجهها ساندرز صغيرة مقارنة مع غيره من المرشحين. فبوتيدجيدج، مثلاً، يملك المال والرسالة التي تتمثل في كونه شاباً لم يتعرّض للإفساد في واشنطن، ومقبول لدى أصناف مختلفة من الناخبين. وفي نيوهامبشر، جذب الأخير الناخبين من فئات مختلفة، بحسب استطلاعات للرأي. أما في آيوا، فبدا أنّه حصل على دعم المعتدلين. أما كلوبوشار، فبرزت في نيوهامبشر بعد مناظرة قوية ساعدتها على جذب عدد من الناخبين المعتدلين، خصوصاً من كانوا يحبّذون بايدن، لكن ذلك لا يعني أنها أمّنت تقدّماً ولو شبه مؤكّد، في الولايات القليلة المقبلة. أكثر من ذلك، يبدو مع تقدّم الوقت أنّه لا بوتيدجيدج ولا كلوبوشار يملكان الكثير من المقوّمات على مستوى الشبكة الوطنية، الأمر الذي يعني عملاً مضاعفاً من أجل جذب الناخبين السود والأميركيين من أصول لاتينية الذين ستلعب أصواتهم دوراً مهمّاً في نيفادا وكارولينا الجنوبية والولايات اللاحقة، حيث الأقليات الناخبة، التي كانت حتّى الآن غير مؤثّرة فعلياً في النتائج، ستحصل على فرصتها لتقول كلمتها، بعدما كان الناخبون البيض يملكون الثقل في أول ولايتين.
الحسابات ليست بسيطة، إذ من السهل القول إن إليزابيث وارن ستخرج من السباق بسبب فشلها المتكرّر الناتج عن أخطاء استراتيجية فادحة ارتكبتها، عبر المبالغة في تقدير الحماسة للسياسة الاقتصادية، والاعتماد الضيّق للغاية على ضرورة الفوز بأصوات السود أو من أصول لاتينية، فضلاً عن انتهاجها خطاباً أكثر نخبوية بعيداً عن فئات كثيرة. وأيضاً من السهل الإشارة إلى أنّ مناصريها سينتقلون إلى ساندرز، بعد سقوطها المتكرّر، أو أن جزءاً من مناصري بايدن سيصطفّون وراء بوتيدجيدج أو كلوبوشار. وبينما لا يزال مبكراً توقّع ما ستؤول إليه الأمور فعلاً، فإنّ ساندرز لا يلبث أن يتحوّل إلى الرقم الصعب، على الأقل في المدى المنظور.