إزاء ما تَقدّم، سارعت إدارة بايدن إلى إعلان نيّتها إجراء مراجعة شاملة لسياستها النووية، يُفترض أن تُصدر نتائجها خلال شهر كانون الثاني الحالي، لافتةً إلى أنّ «لدى حلفاء الولايات المتحدة قلقاً خاصّاً حيال التهديدات الصينية، على رغم إصدار الصين والولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا بياناً مشتركاً بشأن التعهّد بمنْع حرب نووية أو سباق تسلّح». والحال أن المخاوف الأميركية من الصين يمكن إجمالها بثلاثة عناوين، أوّلها سعْي الأخيرة إلى نشْر قوّة نووية موسّعة، وثانيها تصميمها على خلْق «حالة ردْع» مماثلة لتلك التي أرستها روسيا، وثالثها امتلاكها تكنولوجيا أسرع من الصوت، ستُمكّنها من خوض «مغامرات عسكرية»، من دون أن تكون لدى الولايات المتحدة القدرة على صدّها. ومن شأن «سباق التسلّح الكلاسيكي الرجعي» هذا، وفق ما يصفه بعض الخبراء، أن يُضعّف قدرة واشنطن على التخطيط المستقبلي من ناحية، وعلى ضبط التنافس من خلال إبرام اتفاقيات، من ناحية أخرى، خصوصاً في ظلّ ما يبدو أنه رغبة لدى الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في تحويل بلاده إلى قوّة عظمى حقيقية؛ ذلك أنه «لا يمكن للصين أن تكون جيشاً من الدرجة الأولى مع قوّة نووية من الدرجة الثانية»، وفق ما قاله ماثيو كرونيغ، نائب مدير مركز «Scowcroft» للاستراتيجيا والأمن، والمسؤول السابق حول الدفاع الصاروخي في مكتب وزير الدفاع الأميركي.
واشنطن اليوم باتت تواجه تهديدَين عسكريَين جدّيَين نسبياً، أحدهما من الشرق والآخر من الغرب
من هنا، تَعتبر مجلّة «ذي ناشيونال إنترست» أن واشنطن اليوم باتت تواجه «تهديدَين عسكريَين جدّيَين نسبياً، أحدهما من الشرق والآخر من الغرب»، حيث «تَحشد روسيا القوات والأسلحة على الحدود الشرقية لأوكرانيا، بينما تَنقل الصين السفن والطائرات المقاتلة إلى محيط تايوان». وتستشهد المجلّة، في هذا السياق، بكلام الجنرال جون هايتن، الذي رأى أن «الروس والصينيّين تبنّوا استراتيجية متماثلة للفوز، حيث سيهدّدون بعدد من الضربات النووية، في حال نشوب أيّ نزاع إقليمي حول أوكرانيا أو تايوان، وذلك لدفْع الولايات المتحدة وحلفائها إلى عدم التدخُّل في الصراع وتقديم المساعدة». في المقابل، يَبرز «اعتماد واشنطن المفرط على الأسلحة القديمة باهظة الثمن، كحاملات الطائرات والصواريخ النووية الزائدة عن الحاجة وغير القابلة للاستخدام، والتي لا تُغيّر في واقع الحسابات الاستراتيجية أو تحمي مصالح الولايات المتحدة ومواطنيها»، بينما المستفيد الوحيد منها هم «متعاقدو الدفاع عن الشركات الذين يستغلّون الحرب، وينتجون أنظمة التهام الأموال هذه، في وقت تنجرف فيه أميركا نحو هزيمة طويلة الأجل في المحيط الهادئ».
أمّا بخصوص العوامل التي تدفع الصين إلى تعزيز قوّتها النووية بشكلٍ متسارع، فيرى بعض الخبراء أن بكين «تخشى من ضربة أميركية استباقية ضدّ ترسانتها، قد تشلّ قدرتها الدفاعية»، وأنها «تريد التأكّد من قدرتها على تمرير صواريخها من خلال الدفاعات الأميركية في حال نشوب حرب نووية»، فضلاً عن أن هذه القوّة «ستُعزّز موقع الصين في محيطها الجيوسياسي بين الدول الآسيوية الحليفة لواشنطن أولاً، من ثمّ في أوروبا». في المقابل، يرى محلّلون آخرون أن بكين «تريد تعزيز قوّتها العسكرية أوّلاً، من ثمّ ستفكّر بالتفاوض مع واشنطن على تلك القوّة»، مُتوقّعين أن «ترْفض الحكومة الصينية الذهاب نحو أيّ حوارٍ مع واشنطن أو اتفاق في هذا السياق في المستقبل القريب»، مضيفين أن الصين «تُعطي الأولوية حالياً لتسوية الملفّ التجاري مع الولايات المتحدة».