بقدْر ما كانت حرارة شهر تموز مرتفعة في معظم بلدان العالم، كانت حاجة تركيا إلى المال «الطازج» لإنقاذ اقتصادها المتداعي، وهو ما شكّل العنوان الرئيس لجولة «جمع المال» التي أجراها الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، إلى كلّ من السعودية وقطر والإمارات. وفي أبو ظبي، حيث اختتم رحلته، وقّع إردوغان 13 اتفاقاً بقيمة 50 مليار دولار، شملت مجالات التكنولوجيا والصناعات الدفاعية والسياحة والطاقة، ما حدا به إلى وصف العلاقات مع الدولة الخليجية بأنها «شراكة استراتيجية»، ومع قطر بأنها «جيّدة للغاية»، فيما مثّل بيع طائرات تركية مسيّرة إلى السعودية أحد أهمّ نتائج الزيارة إلى جدة.وفي وقت حظيت فيه الجولة بتغطية إعلامية واسعة من جانب الصحافة التركية الموالية، فقد واجهت تحفّظات وانتقادات من خبراء اقتصاديين، وتشكيكاً في ما إذا كان ضخّ المال الطازج، في حال حصوله، هو الحلّ الجذري للمشكلات التي يعانيها الاقتصاد التركي. وفي هذا الإطار، ترى أستاذة الاقتصاد في جامعة «أولوداغ»، فيليز إريلماز، أن التوقيع على الاتفاقات مع الإمارات «نزل كالصاعقة على الأسواق، وهو سيضخّ المال الطازج من الخارج ويقوّي العملة التركية، وإذا أضيفت الاتفاقات مع السعودية أيضاً، فستقارب الاستثمارات المئة مليار دولار»، وهي أرقام تغطّي احتياجات السوق من النقد، وتجسر العجز في ميزان المدفوعات، وتخفّف من الضغوط على الاقتصاد. وفي الاتّجاه نفسه، يقول برهان الدين دوران، في صحيفة «صباح»، إن تركيا، ومن خلال الشراكات الاستراتيجية التي وقّعتها مع العواصم الخليجية الثلاث، «تحوّلت إلى لاعب صاعد في التوازنات الخليجية»، ذلك أن «علاقات الثقة التي تؤسّسها مع الحلفاء والأصدقاء، ستساعد في إنهاء الأزمات الاقتصادية. ولإردوغان خبرة كبيرة في هذا المجال تمتدّ إلى 20 عاماً من استخدام القوّة الناعمة أو الخشنة»، معتبراً أن «إحياء العلاقات بين تركيا وكلّ من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، سيؤثّر إيجاباً في الدور الجديد لتركيا»، والمؤثّر بدوره في «تشكيل التوازنات في البلقان وشرق المتوسط والقوقاز وآسيا الوسطى وأفريقيا»، على ما يضيف الكاتب. أمّا سنان برهان («يني عقد»)، الذي رافق إردوغان في جولته، فيعتبر أن هذه الأخيرة «انتهت إلى نتائج مثمرة، من خلال التوقيع على عدد كبير من الاتفاقات من الصناعة إلى السياحة، ومن الصناعة الدفاعية إلى الطاقة»، مضيفاً أن «الجولة تعدّت الهدف الاقتصادي لتساهم في صناعة الاستقرار في المنطقة»، لافتاً إلى أن المحادثات، ولا سيما بين تركيا والسعودية، شملت أيضاً مستقبل سوريا وحلّ المشكلات بين إسرائيل وفلسطين. ويرى الكاتب أن «تركيا أخذت من الزيارة ما أرادته. ستأتي استثمارات بقيمة 15-20 مليار دولار، وستتحوّل تركيا، بدلاً من الغرب، إلى قاعدة للاستثمارات الخليجية»، مشيراً أيضاً إلى أن «الاتفاقات على الصعيد الإعلامي والمسلسلات والمجتمع المدني، لا تقلّ أهمية عن تلك المالية».
واجهت جولة إردوغان الخليجية تحفّظات وانتقادات من خبراء اقتصاديين


في المقابل، يكتب إبراهيم فارلي، في صحيفة «بركون» المعارضة، عن عوارض الانهيار التي تصيب الاقتصاد التركي، وآخرها الزيادات الكبيرة في أسعار الطاقة، الأمر الذي دفع الرئيس التركي إلى الهرع إلى الخليج علّه يجد مخرجاً للأزمة. وبحسب الكاتب، فإن إردوغان يتبع استراتيجيتَين مختلفتَين للخروج من الأزمة: «الأولى هي بيع الأهمية الجيواستراتيجية لتركيا إلى الغرب وهذه في غاية الأهمية في مرحلة الصراع بين روسيا والغرب، وبيعه أيضاً عضوية السويد في "الناتو" من أجل الاعتراف بمشروعيته في السلطة؛ والثانية، بيعه أصول الدولة إلى الدول الخليجية». كذلك، يعترض الكاتب والنائب السابق، مصطفى بلباي، في صحيفة «جمهورييات»، على إشاعات احتمال بيع مرفأ «ألصنجق» في إزمير، على اعتبار أنه «الأهمّ في تاريخ تركيا، وكان اسمه في العهد العثماني مرفأ بونتا، وعبره كانت تركيا تنفتح على الخارج»، قائلاً: «لم يكتفِ (إردوغان) سابقاً ببيع مصانع إنتاج الدولة، فامتدّت الأيدي الآن إلى رموز الجمهورية».
وفي مقالة بعنوان «مآزق تركيا»، يلفت الخبير الاقتصادي المعروف، محوي إيغيلميز، بدوره، إلى أن «المشكلة وقعت عندما اتّجهت الأحزاب إلى اتّباع اقتصاد يتيح الفوز في الانتخابات، وهو ما فتح الباب أمام أضرار جسيمة لحقت بالاقتصاد. لا يوجد برنامج استقرار اقتصادي، بل مجرّد تدابير تُتّخذ وفقاً لظروف المرحلة، ومن ذلك: زيادة أسعار البنزين والغاز»، معتبراً أنه «يجب تفعيل عمل البرلمان ليراقب الحكومة ويحاسبها. ومن دون ذلك، لن تكون لتركيا الفرصة لتصحيح اقتصادها وحياتها الاجتماعية والسياسية». ويشير مصطفى قره علي أوغلو، في صحيفة «قرار»، من جهته، إلى أنه «زاد من القلق أن يكون حلّ مشكلات الاقتصاد ومشكلة العملة الصعبة الناتجة من السياسات الخاطئة للسلطة، هو من طريق بيع الأصول العامة كحلّ أخير»، مضيفاً: «من الطبيعي أن يجول رؤساء الدول لطلب المساعدات من دول أخرى، لكن مشكلة تركيا هي داخلية، وفي أنها لا تعتمد سياسات عقلانية ولن يفيدها لا جمع المال ولا بيع أصول الدولة. وقد جرّبت ذلك حتى مع قطر قبل أشهر ولم تنجح. المطلوب أكثر من جمع المال من الخارج، العودة إلى الواقعية في الداخل». وفي الصحيفة نفسها، يكتب إبراهيم قهوجي أن «تركيا لم تعرف تنمية خلال فترة حزب العدالة والتنمية، إلّا بفضل المال الخارجي... أصبحنا اقتصاداً مرهوناً للاستثمارات الأجنبية. واليوم نشهد المنظر نفسه. نبحث عن المال من باب إلى باب، وصولاً إلى بيع الأصول العامّة للدولة». ويرى أن «البحث عن الحلول، اليوم، لا يتقصّى ما هو بنّاء ومستدام، بل يتطلّع إلى حلول مالية ظرفية»، متسائلاً: «لماذا وصلنا إلى هنا؟ لماذا لم تغيّر 650 مليار دولار جاءت إلى البلد شيئاً، واضطررنا للتسوّل مثل العبيد؟»، مستنتجاً أن «عدم المحاسبة والتدقيق لا يحلّ المشكلات، بل يفاقمها. والخدمة الأكبر التي نقدّمها للبلد، هي البحث في أصل المشكلة، لا التغطية عليها».