مع تصاعد التوتّر في البحرين العربي والأحمر، بدأت مناورات بحرية مشتركة تضمّ إيران وروسيا والصين، شمال المحيط الهندي وبحر عمان باسم «حزام الأمن البحري 2024»، على مساحة 17 ألف كيلومتر مربع. وتأتي هذه المناورات التي يشارك فيها ممثلون عن دول أخرى من مثل سلطنة عُمان وأذربيجان وكازاخستان وباكستان وجنوب أفريقيا، في إطار سعي موسكو وطهران وبكين إلى توسيع التعاون العسكري في ما بينها، وإظهار قدرتها على صيانة السلم العالمي والأمن البحري، وهي تهدف أيضاً إلى «تعزيز أمن التجارة البحرية الدولية ومواجهة القرصنة والإرهاب البحري، فضلاً عن تبادل المعلومات والتجارب العملياتية والتكتيكية في مجال الإنقاذ البحري»، بحسب بيان صادر عن الدول المشاركة.ورغم أن «حزام الأمن البحري» تدريب اعتيادي ضمن برنامج درجت عليه الدول الثلاث في السنوات الماضية، إلا أن الوضع المتوتّر في البحر الأحمر يعطيه أبعاداً أخرى، ليتحوّل إلى رسالة إلى الغرب من جانب طهران وموسكو وبكين، المتفقة على مناهضة الهيمنة الغربية، ولا سيما إلى الولايات المتحدة، مفادها أن العواصم الثلاث معنية أيضاً بمبدأ حرية الملاحة وحرية التجارة، وستدافع عن مصالحها الاقتصادية، ليس في وجه هجمات «أنصار الله»، بل بمواجهة رغبة ‎واشنطن في السيطرة على هذه المنطقة، ولا سيما أن للأخيرة دوراً مهماً في إطار مبادرة «الحزام والطريق» الصينية. كما تدرك كل من إيران وروسيا والصين أن هدف الولايات المتحدة من عسكرة البحر الأحمر، ليس ضمان الممرّ البحري، بل السيطرة على الممرّات البحرية التي تُعد أولوية قديمة في استراتيجيتها، القائمة على إلحاق الضرر بالمصالح الحيوية للدول الصاعدة في الجنوب.
وتجيء المناورة، التي بدأت أول من أمس، فيما يحصد الغرب نتائج سلبية لأعماله العدائية في اليمن على المستوى الاقتصادي، في مقابل مردود إيجابي للدول الثلاث، وخصوصاً إيران والصين، وفقاً لما تُظهره الإحصاءات. إذ إن السفن التجارية والعسكرية لهذه الدول تَعبر بشكل انسيابي في البحرين العربي والأحمر، وهذا ما أشارت إليه وكالة «بلومبرغ» بالقول إن بكين زادت عدد ناقلات شحن النفط الخام من منطقة الخليج إلى عشر على الأقل، خلال الأيام الأخيرة، الأمر الذي أثار سخط واشنطن ولندن. والواقع أن دوائر القرار الأميركي تناقش، بالفعل، الأضرار التي تلحق بالولايات المتحدة وشركائها الغربيين، والفوائد التي تعود على دول تُعتبر في تنافس معها، من جراء ما يجري في اليمن.
تجيء المناورة، التي بدأت أول من أمس، فيما يحصد الغرب نتائج سلبية لأعماله العدائية في اليمن


واستمعت لجنة القوات المسلّحة في مجلس الشيوخ الأميركي، منتصف الأسبوع الماضي، في إطار طلب الإدارة «تفويض الدفاع» للسنة المالية 2025، إلى قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال مايكل كوريلا، الذي أكد أن منطقة القيادة المركزية تظلّ ذات أهمية حيوية لإمدادات الطاقة وتدفّق التجارة العالميتين. وقال إن «القيادة المركزية توفّر عمقاً استراتيجياً للدفاع عن الوطن الأميركي»، ولكنه اعترف بأن «الأمن والرخاء الأميركيين معرّضان للخطر إذا تنازلنا عن هذه المنطقة لإيران والإرهاب والصين»، مشدداً على ضرورة «انخراط بلاده في جميع أرجائها». كما أقرّ كوريلا بأنّ الوضع في قطاع غزة هيّأ الظروف لما سمّاه «الجهات الفاعلة الخبيثة» لزرع عدم الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة وخارجها.
والجدير ذكره، هنا، أنه مع تصاعد التوتّرات في البحر الأحمر، أرسلت الصين الأسطول البحري الـ46، في مهمة مرافقة للأسطول البحري الـ45 الذي أرسلته إلى خليج عدن قبل عدة أشهر. ويتكوّن الأول من مدمّرة الصواريخ الموجهة «جياوتسوه»، وفرقاطة الصواريخ «شيويتشانغ»، وسفينة الإمداد الشامل «هونغهوا»، كما يضم أكثر من 700 ضابط وجندي، من بينهم عشرات من أفراد القوات الخاصة، إلى جانب مروحيتين.
وأثار ذلك الأسطول الكثير من التكهنات حول انخراط الصين عسكرياً في الصراع، وخصوصاً بعد الطلبات الغربية والأميركية المتكرّرة من بكين للضغط على طهران لثني قوات صنعاء عن هجماتها في البحرين العربي والأحمر. وفي المناورة الحالية، تشارك الصين بسفينتين مزوّدتين بصواريخ موجّهة، وسفينة إمداد.
من جهتها، تعتبر روسيا أن المصالح العسكرية والسياسية المتقاطعة مع إيران والصين، تؤمن إلى حد كبير لأسطولها العودة إلى المحيطين الهادئ والهندي، بعد أن تراجعت نهائياً منهما إثر انهيار الاتحاد السوفياتي.