تخرج ثلاث شابات إلى الحيّز اللبناني العام بطريقة جميلة. يكسرن بالابتكار الصورة المملة للعمل المدني في لبنان الذي يطغى عليه الارتزاق المحترف من المنح الدولية، والذي حوّل الحالمين إلى موظفين، والمناضلين إلى كسبة في منظمات غير حكومية لا تقلّ فساداً عن المنظمات الحكومية نفسها.
ديما بولاد ونادين فغالي ورنا بوكريم مشغولات اليوم بالإعداد لنزهة في ساحة ساسين في الأشرفية، ومعهن المئات من الذين قرروا الانضمام إلى مبادرة بعنوان «من الرمادي إلى الأخضر»، تهدف إلى المطالبة بزيادة المساحات الخضراء والفسحات العامة في مدينة بيروت.
سيفترش المشاركون/ات بدءاً من الساعة الرابعة والنصف من بعد الظهر مستديرة ساسين، بعدما بادرت الشابات الثلاث إلى زرعها بالعشب الأخضر. إنه «احتلال مؤقت وسلمي لفسحة رمادية ضيقة» تقول بولاد.
بدورها، تأمل بوكريم أن يحضر الحدث ما لا يقل عن ٥٠٠ شخص وُجهت الدعوة إليهم عبر موقع «فايسبوك»، علماً بأن مشاركةً بهذا الحجم ستكون مثالية، للبرهان أن المساحة الخضراء في عاصمة لبنان هي 0.8 متر مربع من المساحات الخضراء، أي بمعدل أدنى بخمسين مرة مما توصي به منظمة الصحة العالمية (40 متراً مربعاً للفرد الواحد).
تقول فغالي: «نحن نطالب بفسحة خضراء للجميع. الشأن العام يحضر هنا بقوة. لكني أيضاً أطالب بفسحة خضراء لي، الدافع الشخصي هو الذي شجعني على خوض هذه التجربة». تضيف: «أشعر يومياً بالرغبة في قراءة كتاب تحت شجرة. من حقي أن أسأل لماذا لا يزال حرج بيروت مقفلاً؟ ولماذا تبقى حديقتا الصنائع والسيوفي تحت التهديد؟ ولماذا تُزال المساحات الخضراء يومياً لترتفع مكانها أبنية أسمنتية بشعة؟».
أفكار كثيرة دفعت بالثلاثي إلى اللقاء قبل عام. هنّ لسن زميلات في المدرسة أو الجامعة، بل مجرد صديقات جديدات جمعتهن فكرة مشتركة. وزعت المجموعة قطع «غازون» صغيرة في ثمانية أمكنة في بيروت مع لافتة صُمّمت لتشبه اللافتات الرسمية، وكتب عليها «تمتع بالفسحة الخضراء». اليوم تكرر المجموعة التجربة مع التركيز على مكان واحد يجمع أكبر عدد من الأشخاص.
تعمل ديما بولاد مصممة غرافيك. وهي عاشت فترة من حياتها في باريس، وعندما عادت إلى بيروت لاحظت الفرق الشاسع في تأثير المساحات الخضراء على طريقة العيش والتفكير. تعبّر بولاد عن أفكارها عبر مدوّنة http://dimaboulad.blogspot.com بعنوان «انظر حولك». التقطت عدسة بولاد العديد من اللوحات الإعلانية لمشاريع أبنية في بيروت. غالبية هذه المشاريع استخدمت كلمة حديقة في خطتها التسويقية. «حدائق بيروت» و«حدائق نور» و«حدائق الحمراء». تسأل بولاد متى ستُنشأ حدائق حقيقية بدل الأبراج الضخمة التي لن يسكنها إلا كبار الأغنياء. وتضيف: «يعرف مسوِّقو هذه المشاريع أنهم يتوجهون إلى جمهور محروم المساحات الخضراء وراغب فيها، وهم يستخدمون هذه الرغبة لجذب الزبائن والمستثمرين. وما يثير الحنق أن هذه الأبنية تنبت كالفطر من دون مراعاة تصميم مديني يحافظ على ما بقي من مساحات خضراء.
رسوم قصص الأطفال هي مهنة نادين فغالي (www.nadinefeghaly.com) في دار أصالة للنشر. تعبّر أعمال فغالي عن اقتناعاتها البيئية، وهي تعكف حالياً على إنجاز رسوم كتاب نجلا خوري الذي يروي قصتها مع الأشجار على الطريق الممتدة من عائشة بكار إلى الأشرفية. «فرحت كثيراً لإنجاز رسوم هذا الكتاب. إنها متعة أن تنجز مهنياً ما يتوافق مع اقتناعاتك»، تقول. في موقع فغالي متجر صغير لقمصان وحقائب يد وبطاقات بريد تحمل رسوم «فيولا»، الشخصية التي تعبّر نادين من خلالها عن أفكارها، فتلبسها ألواناً وأشكالاً مختلفة. رسوم نادين ومختارات مختلفة موجودة على مدوّنتها (http://violatre.blogspot.com).
عاشت رنا بوكريم نصف حياتها في كندا. المتنزه ذاكرة طفولتها الجميلة. ابنة دارشمزين في الكورة تعيش اليوم في بيروت، في المدينة التي يستوطنها الأسمنت ولا تتوقف فيها ورش البناء. تعرف بوكريم أن جلوسها ثلاث ساعات في ساحة ساسين لا يؤدي إلى قرار سياسي بزيادة المساحة الخضراء. لذلك، اتفقت مع بقية أفراد المجموعة على أن يعملن على خطة طويلة الأجل لتحقيق حلم لطالما راود سكان العاصمة، جمع التبرعات لشراء قطعة أرض وتحويلها إلى حديقة عامة.
الفكرة ستطرح عبر مدوَّنة «مشروع بيروت الخضراء» http://beirutgreenproject.wordpress.com وتناقَش على أوسع نطاق مع جميع الراغبين في التعاون.