في الثامن من الشهر الجاري، اصدر الدكتور ايمن الظواهري نعيه للشهيد الشيخ اسامة بن لادن، الذي قتل في مطلع شهر أيار الفائت، وفي النعي الذي اتى بعنوان «وترجّل الفارس النبيل» يشيد الظواهري بالشيخ اسامة، معدّداً مزايا الرجل، ومظهراً قربه منه، إلى ان يصل مباشرة بعد انتهائه من النعي إلى القول «نجدد البيعة لأمير المؤمنين الملا محمد عمر مجاهد ـــــ حفظه الله ـــــ ونعاهده على السمع والطاعة في المنشط والمكروه، وعلى الجهاد في سبيل الله، واقامة الشريعة، ونصرة المظلومين». وهذه المبايعة لا تأتي عادة الا ممن كان أميراً لجماعته، أو فرداً ينضم إلى جماعة، وبما ان الدكتور ليس فرداً، ولم يكن معلناً أنه امير جماعته، يكون بذلك قد اعلن حسم النزاع الداخلي عبر اصدار مرئي، وأنه اصبح يوم اصدر هذا الخطاب أميراً للجماعة التي جددت البيعة لقائدها الملا عمر امير طالبان في افغانستان وباكستان. بُعيد اغتيال الشيخ اسامة، اصدرت الجماعة بياناتها تحت مسمى «تنظيم قاعدة الجهاد ـــــ القيادة العامة». إلى الماضي القريب لم تكن الجماعة تهتم بإظهار الاسم الكامل. كان اسم «تنظيم القاعدة» هو الاكثر رواجاً، وهو الاسم الاصلي للمجموعة التي أنشأها اسامة بن لادن في منتصف ثمانينيات القرن الماضي.
وفي التسعينيات، حين اثمرت المفاوضات مع جماعة الجهاد المصرية توحيداً للقوى، اطلق اسم «تنظيم قاعدة الجهاد» الذي بقي الثقل الرئيسي فيه سعودياً ويمنياً، بينما احتفظ بالمصريين من أتباع الدكتور ايمن الظواهري في الدرجة الثانية من التنظيم، نظراً للعديد من النقاط، ربما اهمها خلفيتهم الاخوانية، حيث ينحدر تنظيم الجهاد المصري من حركة الاخوان المسلمين، ورأى ان التجانس الفكري يحتاج إلى وقت، ثم باتت الادبيات القاعدية خليطاً من الفكر الوهابي والفكر الإخواني، وسمّي الفكر الجهادي الجديد بالسلفي الجهادي تمييزاً له عن الوهابي والاخواني معاً.
في رثائه للشيخ اسامة، كان الظواهري قد وجه عدة رسائل مضمرة على عادته، الاولى إلى الشيعة حول العالم في غزل نادر من قيادي في تنظيم القاعدة حين يقول «قتل ابو عبد الله اسامة بن لادن كما قتل ابو عبد الله الحسين رضي الله عنه، وسط اهله واولاده، وصيحة العزة التي اطلقها ابو عبد الله الحسين في كربلاء حين قال هيهات المذلة».
الرسالة الثانية إلى حركة الاخوان المسلمين بعامة حين يقول عن دفن بن لادن في البحر: «طبقاً للطقوس الاسلامية»: «أي اسلام هذا؟ اسلام اميركا أم اسلام الذي باع دينه وتنصّر، ...، هذا الاسلام الذي تبشرنا به اميركا، اسلام مخترق، ملفق، مكذوب، يخضع لسطوة المستكبرين، ولا يعرف الولاء والبراء، ولا الامر بالمعروف ولا النهي عن المنكر، ولا الجهاد»، حيث يبدو واضحاً التشديد على الولاء والبراء والجهاد بصفتهما محددين للإسلام، وما يتنافى مع الممارسة السياسية لحركة الاخوان في كل من تركيا ومصر، وخاصة لمنطقة الاخوان والقوى الاخرى التي تعتمد بناء الاسلام تبشيراً ومن الاسفل، والقواعد، وليس الانقلاب والعنف من الاعلى أو الجهاد. ولا تعتمد الولاء والبراء المحدد الاول للصحة في الفكر السلفي.
كان إلى ما قبل هذا الاعلان من الدكتور ايمن لا يزال التنظيم يعيش تحت سلطة «القيادة العامة»، بانتظار ان يتمكن احد وجوهه في اليمن خاصة، أو من المهاجرين من المملكة إلى اليمن، من الإمساك بزمام التنظيم، خصوصاً مع تطور وضع التنظيم في اليمن، وانشغال السلطات والاميركيين هناك بالثورة المحلية، وعودة احلام التنظيم بانشاء امارة على رقعة من الأرض.
لكن الإعلان اعطى الدكتور ايمن المشروعية القانونية التي لن تلبث القاعدة أن تعلنها في بيانها الرسمي (امس) الذي ينص على أنه «بعد استكمال التشاور، تعلن (القيادة العامة) تولّي الشيخ الدكتور ايمن الظواهري مسؤولية امرة الجماعة».

تحوّلات داخلية

يمكن المتابع، بسهولة، ملاحظة تحولات في فكر القاعدة سواء اتت على لسان الظواهري او في بيان القيادة العامة؛ فالظواهري يدعو «جماهير الامة المسلمة في باكستان» إلى الانتفاض على العسكر على غرار انتفاضات «اخوانكم في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا»، مما يعني التوجه إلى الانتفاضات السلمية التي لا تقنع اي سائر في الفكر السلفي الجهادي، اذ يمكن المحاججة بأن هذه الانتفاضات يقودها علمانيون وأحزاب وقوى لا تحكم بما انزل الله ولا تعتمد الشريعة والولاء والبراء منهجاً.
ويوصي الظواهري المجاهدين الالتصاق بالجماهير، بعدما كان يفترض أن المجاهدين هم قادة الجماهير وطليعتهم.
لكن توصيته للمجاهدين بخدمة الجماهير والدفاع عنها «والبعد عن اي عمل يعرضهم للخطر في الاسواق أو المساجد أو الاماكن المزدحمة، فإننا ما خرجنا الا دفاعاً عنهم» هو الاخطر، اذ يمثّل أولاً: اعترافاً، وثانياً: تحولاً.
الاعتراف بأن التنظيم كان ينفذ عملياته في هذه الاماكن، والمساجد قد تكون لشيعة كما قد تكون لسنة، أو لكليهما، علما أن العديد من عمليات التعرض لأماكن العبادة الاسلامية والمساجد لم يكن التنظيم يعلن مسؤوليته عنها في الماضي.
اما التحول فهو تخلي الظواهري اليوم عن فتواه التي اطلقها ايام تشدده لإثبات سلفيته، حين أفتى بجواز قتل المدنيين في سبيل قتل المشركين، اذ ان الناس سيبعثون على نياتهم، وبالتالي لا حرمة في انهاء حياة صالحة، واليوم هو يحذر من التعرض للمدنيين تحت عنوان ان المجاهدين ما هاجروا الا للدفاع عن هؤلاء.
اضف ان رسالة الدكتور ايمن لا تحمل اية اشارة سلبية إلى ايران أو الشيعة أو حزب الله، وهو في العادة لم يكن يفوّت فرصة مشابهة لإعلان موقف حازم من احد هؤلاء على الأقل.
اما بيان القيادة العامة امس، فأعاد تأكيد ست نقاط: 1- العمل بالكتاب والسنة، 2- العمل على الإعداد للجهاد، وأداء فريضة الجهاد العين في مقاتلة الكفار، 3- تأييد كل المجاهدين في كل الاقطار، وخاصة فلسطين، افغانستان والعراق، 4- اطلاق الأسرى وخاصة الشيخ عمر عبد الرحمن، 5- تأييد انتفاضة الشعوب في مصر وتونس وليبيا واليمن والشام والمغرب، وتحريض باقي الشعوب على الانتفاض، 6- التعاون مع كل عامل على نصرة الاسلام في الجماعات الاسلامية أو خارجها، لطرد الغزاة من ديار الاسلام، إعلان التعاطف مع المظلومين من غير ملة الاسلام انطلاقاً من موقف الاسلام المعادي للظلم.
يجب أيضاً تسجيل غياب اية اشارة إلى آل سعود في النصين المذكورين، وانعدام أي اشارة مباشرة إلى البحرين وما يجري فيها.
بمطلق الاحوال فإن الدكتور ايمن الظواهري اليوم، وتنظيم قاعدة الجهاد يختلفان لفظاً عن قاعدة الشيخ اسامة، بانتظار الفعل.



قاعدة «المستقبل»؟

في الثاني من شهر حزيران الحالي، أصدرت كتائب عبد الله عزام، الفرع المحلي من تنظيم القاعدة، بياناً هو السادس في إطار سلسلة بيانات «لتستبين سبيل المجرمين»، عنونته بـ«سيف بتار على بشار». هذا البيان لم ينشر إلا في يوم الحادي عشر من شهر حزيران.
وحمل البيان، الموقّع من المجموعة الوارثة لتنظيم القاعدة في بلاد الشام، بصمة «مركز الفجر للإعلام» لتأكيد صدقيّته، بعد أن تعرضت كتائب عبد الله عزام لدسّ بيانات باسمها مرات عديدة. وفيه ثلاث رسائل، الأولى إلى أهلنا في سوريا، والثانية إلى أهلنا في لبنان، والثالثة إلى أهلنا المظلومين والمستضعفين من المهجرين من فلسطين.
يطرح بيان الكتائب عدة ملاحظات؛ أولاً إنه ليس متناسقاً تماماً مع فكر تنظيم القاعدة، وقد يكون أحد التنظيمات الموازية، أو التي يتبنى التنظيم العالمي أعمالها، والمعترف بها تنظيماً جهادياً رسمياً. ولكن في الخطاب الكثير مما يوحي بابتعاد هذه الكتائب عن التنظيم الدولي، فكراً على الأقل، وخاصة مع التحول الذي يطرحه خطاب الدكتور أيمن الظواهري في السادس من شهر حزيران الحالي.
يتهم بيان الكتائب حزب الله وسوريا بتنفيذ عملية التفجير ضد قوات الطوارئ الدولية على مدخل مدينة صيدا، بينما كان الدكتور أيمن الظواهري قد بارك من قبل عمليات تفجير ضد القوات الدولية في لبنان.
يشجّع بيان الكتائب على ثورة شعبية، ولكن في أطر محددة وفي أقطار محددة، دافعاً الجماهير إلى الابتعاد عن أي أمر من شأنه أن يصرف الأنظار عمّا يجري في سوريا، ولو بالتوجه إلى الحدود مع إسرائيل، وبالتالي يتبنّى خطاب تيار المستقبل وقوى 14 آذار في هذا المجال، ويناقض ما جاء في بيان تنظيم القاعدة القيادة العامة الأخير (أمس) بشأن الملف الفلسطيني.
يدعو البيان اللبنانيين إلى دعم الثورة السلمية في سوريا، وبأساليب سلمية، أيضاً مرة أخرى يخرج التنظيم المحلي عن مفردات الجهاد ومفاهيمه.
في مجمل بيان الكتائب لا اعتماد على مبدأ الولاء والبراء، ولا لأي من المفاهيم الرئيسية للسلفية الجهادية، حيث تطغى الحاجة التكتيكية على المفاهيم العقدية في الإسلام، وهي ليست من بنات تنظيم القاعدة الدولي، بل هي من المنبوذات في الفكر السلفي الجهادي.
يهاجم بيان الكتائب حزب الله بشدة في عدة نقاط منه، وهو يناقض خطاب الدكتور الظواهري، الذي تحاشى ذكر حزب الله، وركّز على غزل الشيعة بذكر الإمام الحسين وتشبيه الشيخ أسامة بن لادن به.
لم يستنكر بيان الكتائب التعاون بين القوى العلمانية في سوريا والقوى الإسلامية، ولم يطرح البدائل الممكنة في سوريا بعد سقوط النظام، علماً بأنه في بيان القاعدة الأخير، كما في كلمة الدكتور الظواهري، إشارة إلى أن البدائل يجب أن تكون إسلامية. تغافل الكتائب وقبولها بالقوى العلمانية هما لا شك مثار استهجان أي مجموعة أو عالم سلفي جهادي.
تصرّ الكتائب على قراءة الوضع اللبناني انطلاقاً من مفردات مذهبية، مشابهة إلى حدّ التطابق مع خطاب تيار المستقبل، وخطاب قوى 14 آذار استطراداً، بينما القوى الجهادية، وخاصة تنظيم القاعدة الدولي، يعتمد الفكر الإسلامي في مقاربة أي منطقة أو مسألة في العالم، أو إقليمياً.
نحت كتائب عبد الله عزام في خطابها منحىً وعظياً إرشادياً وتباينياً، وحتى منحى لغة المنابر اليومية في لبنان، ما يمكن أن يحدث التباساً عند من يقرأ. فهل هي الجماعة الإسلامية، أم حزب التحرير، أم فرع من فروع تنظيم القاعدة الدولي، وحركة سلفية جهادية تعتمد المقاومة لإخراج الكفار من جزيرة العرب وأرض الإسلام؟
لولا بعض المفردات والاستشهادات القرآنية لأمكن القول إن البيان صدر من بيت الوسط، لا ممن يُعدّ عمليات إطلاق الصواريخ من شبعا وحولا.