امتلأت القاعة بأصحاب البزات. جميعهم يخسرون من قانون منع التدخين، فتداعوا أمس إلى فندق مونرو للمطالبة بتعديله. السيجارة والنرجيلة عمودهم الفقري. ربما يجب شطب الأرزة عن العلم، واستبدالها بعمودي السياحة في لبنان. بدا نقيب أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري بول عريس كمن يتصدّق على لبنان، قائلاً: «نحن الذين وظفنا الرساميل الطائلة في الصناعة السياحية اللبنانية، وخلقنا فرص عمل لآلاف العائلات». هاجم الجمعيات الأهلية التي عملت على إقرار القانون، محوّلاً إياها إلى الشيطان الأكبر. لم يلجأ إلى اللاءات، مستبدلاً إياها بأداة جزم أخرى، معلناً «لن ولن ولن نكون ضحية لجمعيات تدّعي أنها أهلية، لكنها لا تنظر إلى القضايا إلا من منظار مموّليها الأجانب، ولسنا ندري غاياتهم الحقيقية». وانتقد «عدم اكتراثها بمصير مئات المؤسسات وآلاف الموظفين ومصير المطبخ اللبناني»! وسأل: «هل يحق لبعض المتطرفين في هذه الجمعيات، والذين يتسابقون لإرساء قوانين مستوحاة مما وراء البحار لتبرير رواتبهم، أن يدمروا معالم المطبخ اللبناني؟».
ما علاقة قانون منع التدخين بالمطبخ اللبناني؟ هل ينضج البقدونس على دخان النرجيلة مثلاً؟ وحدهم النقابيون يعرفون. إنها «المازة». ويسأل عريس: «من يضمن لنا أن اللبنانيين والسياح العرب سيغيّرون عاداتهم وتقاليدهم ويستمتعون بالمازة من دون نرجيلة؟».
يصبح العريس في كلامه ديموقراطياً إلى أقصى الحدود. يتخطى مجتمعات العالم الأول بأشواط، إذ يؤكد «تأييدنا لقانون غير انتقائي يقوم أولاً على مبدأ الانضباط الذاتي»، مضيفاً «أنجزنا مشروع تعديل هذا القانون الذي سيقدم قريباً إلى المجلس النيابي».
من جهته، نعى رئيس اتحاد النقابات السياحية في لبنان ورئيس نقابة أصحاب الفنادق بيار الأشقر «من آمن في هذا البلد وبسياحته وبمقوماته وقدرات الشعب اللبناني في مجال السياحة»، قائلاً «أصبحنا شهداء». استشهد بعدد من الدول العربية والأوروبية التي عدّلت قوانينها المتعلقة بالتدخين، لافتاً إلى أنه ذهب إلى دبي للتحقق بنفسه من القوانين، وتوصل إلى نتيجة مفادها أن «دبي كانت صحراء وتحولت الى جنّة، فيما يبدو أنهم يريدون تحويل الجنة إلى صحراء»، وكأن السيجارة والنرجيلة هما نفط لبنان.
عمّ التصفيق القاعة التي جلس على مسرحها 11 نقابياً. تألف الحضور من أصحاب المؤسسات ذوي «الجرح العميق»، بحسب عريس. قال أحدهم: «من يخش على صحته فليزم منزله». لم يفصح النقابيون عن التعديلات التي ينوون تقديمها، إلا أنهم دللوا على نماذج عدة مثل فرنسا، حيث يوجد مقهى يقدم النرجيلة على الشانزليزيه. أصرّوا على تأييدهم للقانون مع التخفيف من وطأة الخسائر التي يتكبدها القطاع السياحي جراء هذا القانون، ومنح بعض المقاهي والمطاعن تراخيص للتدخين مع التهوئة.
سيقدّم النقابيون مشروع التعديل قبل جلسة مجلس النواب في 16 الشهر الحالي. المشكلة بالنسبة إليهم ليست في القانون الصارم فقط، بل في التوقيت الموازي للثورات العربية. ويلفت رئيس الجمعية اللبنانية لتراخيص الامتياز شارل عربيد إلى «توقيت إصدار القوانين وتطبيقها»، مضيفاً «تمنينا أن يلتزم رواد المقاهي بالقانون، إلا أنهم امتنعوا وقاطعوا في ظل وضع اقتصادي حرج، ما أدى إلى إلحاق ضرر كبير في قطاع المقاهي والمطاعم الأكثر تعبيراً عن طريقة عيش اللبنانيين». الحقّ على الروّاد إذاً.