في الحادية والنصف صباحاً، يصل إيهاب إلى منطقة رياض الصلح. يبحث مع صديقيه عن مكان قرع الطناجر ولا يجده. يستوقف الناشط الأخير الباقي في الساحة التي قرعت فيها الطناجر، ليسأله عن الباقين. تأخّرت سيارة إيهاب التي كان من المفترض أن تقلّه مع صديقيه من صور إلى ساحة رياض الصلح في الحادية عشرة تماماً ليشاركوا في نشاط «لاقينا بطنجرتك على رياض الصلح، دعماً للأحوال الشخصيّة»، الذي نظّمته أمس جمعية «شمل». فكُرمى للاعتصام لم تعد المسافة بين صور وبيروت بعيدة بالنسبة إلى إيهاب، ولو كان يعيش في «آخر الدنيا» لأتى من أجل المشاركة، بحسب قوله، «فهذه الاعتصامات من أجل الحرّيات في البلد تعبّر عنّا، إذ إنّ قانون الأحوال الشخصيّة حق كل مواطن لبناني. وليس هناك من قضيّة معيشيّة أو قضيّة تتعلّق بحريّاتنا أهم من الأخرى، إذ يمكننا العمل على عدّة قضايا على نحو منهجي، ووفقاً لتخطيط معيّن».
قبل دقائق من وصول إيهاب كان أعضاء «شمل»، وبعض الأشخاص المهتمين بالموضوع، يقرعون طناجرهم. قرعوها قرعاً متواصلاً لمدّة نصف ساعة كي يزعجوا النوّاب و«نوقظهم من غفوتهم، وكي نقول لهم إنّنا لن نسكت عن حقّنا» يقول الناشط في «شمل» مازن أبو حمدان، لكن لا نوّاب في المجلس يوم الأحد. يبدو أنّ الهدف من قرع الطناجر في المرّة الأولى، هو أن يصل ضجيجها إعلامياً إلى النوّاب. إذاً هي خطوة أولى لتنبيه المعنيين إلى أنّ «شمل» لن تتوقف حتى يُقرّ «القانون اللبناني للأحوال الشخصيّة». المهلة المعطاة للنوّاب اليوم هي شهر من الزمن، يُشغل خلالها أعضاء «شمل» بالانتخابات، ليسحبوا مشروع القانون من أسفل قائمة أعمال اللّجان المشتركة ويضعوه في رأس اللّائحة، وإلّا فعليهم سماع الضجيج فعلياً في المراحل المقبلة، إذ يقول ناشطو «شمل» إنّهم سيوجّهون الطناجر مستقبلاً إلى المكان الصحيح، أي منازل النوّاب ومكاتبهم. سيقرعون الطناجر هناك، غير آبهين بالحرّاس الذين يحيطون بمنازلهم، حتى يخرج النائب نفسه ليعلن موقفه من القانون. فإمّا أن يعمل على إقراره، أو هو «طائفي» أمام الرأي العام بحسب «شمل».
يطول قرع الطناجر، وتتنبّه معه إلى خواء المنطقة. ليس لأنّه يوم أحد فحسب، بل أيضاً لأنه لا يمكنك، في أي يوم من أيام الأسبوع، أن تتوقّع أن يطلّ أحد برأسه من تلك الشبابيك الكثيرة التي تحيط بساحة رياض الصلح. واجهات ساكنة لا يمكن استفزاز الحياة منها ولو قرعاً. فقط بعض المارّين بسياراتهم يلتفتون إلى «قارعي الطناجر»، قلّة منهم تصوّر بهواتفها الذكيّة، أمّا الباقون، فيكملون مسيرهم، تاركين الناشطين والدرك يتواجهون وحدهم. في كلّ مرة أنت أمام اعتصام من أجل مطلب يمسّ بالحريّات، أو اعتصام يبتعد بشكله عن المألوف، يقف أفراد الدرك مدهوشين أمام المنظر. يسألون بعضهم بعضاً «شو بدهم دخلك؟»، أو إذا ما كان الشباب قد وزّعوا بيانات. عندما توزّع «شمل» بيانها ينسلّ أحدهم بسرعة بين الناس، يريد واحداً. البيان الذي وزّعته «شمل» ليس إلا الصفحة الأولى من مشروع «قانون لبناني للأحوال الشخصية»، الذي تقدّمت به أوغاريت يونان ووليد صليبي، أو «الأسباب الموجبة» لهذا القانون، منها «حماية حق الشباب في زواجهم داخل بلدهم وبين أهلهم وبرعاية القانون اللبناني» أو «تكريس الحق في حرية الاختيار، اختيار كل مواطنة وكل مواطن لأحواله الشخصيّة»، لكن هذه المرّة لم تعلن «شمل» فقط عدم توقف حملتها الجديدة لإقرار هذا القانون، بل ذهبت أيضاً إلى الحديث عن عصيان ستقوم به إذا ما لم تقرّ الدولة القانون خلال فترة زمنيّة تحدّد لاحقاً، إذ يتحدّث الناشط في الجمعية حسين مهدي عن دراسة قانونيّة تعدّها «شمل»، تؤمّن للراغبين في الزواج المدني في لبنان نوعاً من التطبيق الذاتي، أي إنّهم سيتزوّجون وحدهم. تقوم الدراسة بحسب مهدي حول فكرة شخصين قادرين على العيش معاً وإنجاب الأطفال وتسجيلهم ويحكم بينهما «القانون اللبناني للأحوال الشخصيّة». تختلف الدراسة التي تعدّها «شمل» عن المساكنة، في كون الأزواج الذين سيلتزمون بمضمون دراستها سيعلنون زواجهم أمام المجتمع، ولو أنّ الدولة لا تعترف به، وسينجبون الأطفال، فيما تناقش الدراسة التي سيعلن عنها لاحقاً، في تفاصيل تسجيل الأطفال. إذاً هو عصيان مدني حتى تقرّر الدولة أن تخطو نحو تحمّل مسؤولياتها تجاه مواطنيها.