من سيكون الرابع على لائحة «إعدام» الناشطين في نقابة عمال وموظفي «سبينس»؟ نعم هو إعدام اجتماعي حين تقوم شركة خاصة بصرف موظف لديها لأنه يقوم بنشاط نقابي. هو إعدام لأن التهمة أنه اصبح يمثّل الموظفين والعمال للمطالبة بحقوقهم. «تهمة» كهذه، إن صح وصفها بذلك، قد تحوّل حاملها إلى بطل ومناضل، لكنها في لبنان تحوّله أيضاً إلى عاطل من العمل. هذه التهمة التي تلقاها إيلي ابي حنّا و«الشهداء» الآخرون وساماً على صدورهم، يهديها إيلي إلى باقي الزملاء في «سبينس»، خصوصاً الذين نالوا جزءاً كبيراً من حقوقهم كنتيجة مباشرة لتأسيس «نقابة موظفي وعمال سبينس». يعتقد ابي حنّا أن كل العاملين في النقابة مهدّدون بالمصير نفسه «لكن هذه التهديدات ليست مانعاً للتكتل في مواجهة التعسّف، بل على العكس، هي حافز للوقوف في وجه أي مشكلة وأي ظلم يتعرّضون له». في قرارة نفس هذا الحارس الأمين، يعتصره الحزن على فقدانه عمله وفق طريقة «الكاوبوي»، لكن ملامحه لا تظهر ذلك، لأنه يبقى متسلحاً بالتهذيب حتى عندما يغضب.
يرفض أن يصدُر عنه أي كلام مجحف بحق المؤسسة، أو بحق زملائه. يتستّر على القهر اللاحق به من إدارة المؤسسة محوّلاً الحديث في اتجاه وضعه الصحي. فهو منذ سنوات يحمل في ظهره قضباناً حديدية وبراغي تثقل جسده، فضلاً عن أنه مصاب بالسكري.
قصة إيلي مع «سبينس» بدأت نهاية عام 2001. يومها وجد فرصة عمل تناسبه بعدما كان يعمل في مجال صيانة السيارات (ميكانيكي)، «فالعمل في الأمن أهون من صيانة السيارات في وضعي الذي لم يعد يسمح لي القيام بأعمال مرهقة جسدياً». هكذا تحوّلت يومياته من مسار يجمع بين المنزل وكاراج السيارات، إلى مسار يجمع بين المنزل و«سبينس» ــ الأشرفية. كان يعمل هناك لمدّة 8 ساعات يومياً بالإضافة إلى إجازات عمل، وهو مصرّح عنه للضمان الاجتماعي «لكنني لم أحصل يوماً على زيادة الراتب كما وعدتني الإدارة». أربع مرّات تلقى وعوداً بزيادة 100 دولار على راتبه الضئيل، لكنه لم يوفّق بذلك؛ المرة الأولى كانت وعداً بالزيادة بعد 6 أشهر على بدء العمل، وفي المرات الثلاث الباقية بقيت انتظر «على الوعد يا كمّون».
هذه المقدّمة تغيّرت بصورة جذرية خلال الأشهر الماضية. فإيلي الذي شعر بالغبن، كباقي زملاء العمل، قرّر الانخراط في المطالبة بحقوقه الوظيفية المنصوص عنها قانوناً. انضمّ إلى سمير طوق وميلاد بركات و9 آخرين في المطالبة بزيادة غلاء المعيشة، وسجّل اسمه في أعلى لائحة مؤسسي نقابة عمال وموظفي سبينس. عند هذا الحدّ لم يكن إيلي يستوعب المشهد؛ فليس من المعلوم في لبنان أن تأسيس نقابة جرم يعاقب عليه بالصرف من العمل أو يجيز للشركة أن تصرف العامل بناءً على ارتكابه! ومن سخافة القدر، أن أبي حنا لا يدعي أنه موسوعة قانونية، لكنه يعلم تماماً أن نظام شركة «سبينس» الذي يفترض أنه متوافق مع احكام قانون العمل لا يتضمن أي بند يحظّر التأسيس والانضمام إلى النقابات العمّالية ويعاقب عليها بوصفها جريمة شنيعة!
غير أن هذه النتيجة التي وصل إليها هذا الحارس الأمين تكشف له كل الخبث والخبائث. ففي الفترة السابقة أقيل زميلاه سمير طوق وميلاد بركات لأنهما سعيا إلى تأسيس النقابة، ثم تعرّض ميلاد بركات للضرب المبرح للأسباب عينها. واليوم وُضع رأسه على المقصلة بالجرم ذاته. في البداية قرّر المدير التنفيذي في الشركة مايكل رايت أن ينقل إيلي من عمله في فرع الاشرفية إلى فرع الجناح. كان رايت على علم مسبق بمكان سكن إيلي في الذوق، وهي خطوة ضغط اتبعها مع زملائه المصروفين. استمرّ إيلي بالذهاب إلى مكان عمله الجديد مع قضاء ساعتين وثلث الساعة على الطريق بين الذوق والجناح ذهاباً وساعة ونصف ساعة إياباً. لكن الظلم لم يتوقف عند هذا الحدّ، بل قرّر رايت أن يزيد عدد ساعات عمله إلى 10 ساعات يومياً، فيبدأ العمل عند التاسعة صباحاً وينتهي عند السابعة مساء. وقتها فقط، تأكّد أبي حنّا من نوايا الشركة تجاهه، لا سيما أنه تبلّغ من مدير فرع الحازمية في «سبينس» طوني طوق أن سبب هذا الإجراء بحقه هو «ضرورة عزل المحامي والانسحاب من عضوية النقابة».
المهم أن رايت منح إيلي إجازة بعد نقله إلى الجناح وذهب إلى فرع الأشرفية ليبلغه بهذا الأمر مباشرة حيث كان المترجم إيلي سعادة هو واسطة الحديث بينهما. اعترض الحارس على قرار النقل وأوضح أن وضعه الصحي لا يحتمل هذا الأمر، فبدأت الاتصالات معه يومياً للضغط عليه لـ«عزل المحامي والانسحاب من النقابة» على ما أبلغه وائل غصن مدير فرع الجناح، ثم صدر قرار بإرجاعه إلى الأشرفية، وبعد ذلك تراجعت عنه الإدارة، إلى أن ذهب ليلتحق بعمله فتبيّن له أنه «مصروف» وأن الإدارة ترفض إعطاءه راتبه قبل توقيع 3 أوراق لم يسمح له برؤيتها.
لكن ما قصّة عزل المحامي؟ في الواقع، كانت النقابة قد كلّفت المحامي نزار صاغية بالمدافعة عن حقوق العمل النقابي «لأنه في كل مدّة يُصرف أحدنا». لهذه الغاية رفع مكتب المحامي صاغية دعوى أمام القاضية زلفا الحسن للحصول على الحماية النقابية لمؤسسي النقابة، واستصدر منها قراراً يقضي بحماية الأعضاء المؤسسين. وقد كان هذا الامر مسانداً للعمل النقابي في المطالبة بحقوق العمال والموظفين «قبل النقابة كان بعضنا يعمل بلا ضمان صحي، وجزء من العمال لم يكن يقبض أي راتب، وكل ذلك تغيّر بفضل النقابة».
واللافت في قصّة إيلي، أن صرفه من العمل جاء ضمن فترة قرار الحماية الصادر عن القاضية الحسن، وبعد الإنذار القانوني الموجّه إلى الشركة والذي يشير إلى أن نقل إيلي أبي حنّا بوضعه الصحي الحالي، يؤدي إلى تغيير جوهري في طبيعة عمله والعقد مع الشركة، وبالتالي فهو انتهاك لحكم القاضية الحسن وغرامته 100 مليون ليرة.