قبل حصول هجوم يوم الخميس الماضي على طريق المطار، كان الجيش الحر قد أتمّ جزءاً كبيراً من تطبيقات نشر قواته، وفق خطة بقعة الزيت حول دمشق. وبدت الصورة اللوجستية حينها كالتالي: في غرب الغوطة الشرقية سيطر الجيش الحر على داريا، وصحنان، والقدم، والعسالي، والتضامن. وشكّل هذا الذراع الأوّلى لهجومه على طريق المطار. في جنوب الغوطة الشرقية، سيطر على بيت سحيم، وشبعا، والملاحة، وحرصتا، ودير العصافير، وحران العواميد.
ومقابل هذا التموضع للجيش الحر، قام الجيش السوري، قبل أيام من حصول هجوم طريق مطار أو ما بات يعرف بمعركة دمشق، بجملة اجراءات تكتيكية تحسباً لحدوث الهجوم، إذ كان يعلم بأن وقته اقترب نتيجة قرار اقليمي. وتمثلت هذه الاجراءات باقتحامه بلدة حرستا، التي تشكل مع دوما عمقاًَ استراتيجياً لأيّ هجوم يشنّه المسلحون على العاصمة، لأنّ البلدتين تشكّلان الملاذ الآمن الذي ينسحبون إليه بعد فشل أيّ هجوم لإعادة تنظيم صفوفهم، ولمنع تطويقهم وتعرضهم للإبادة. وبالتزامن مع طرد الجيش السوري للمسلحين من حرستا، قام بتشديد الضغط على دوما ما جعل المسلحين فيها، أمام خيار تنفيذ انسحاب تكتكي باتجاه الخلف، حيث بساتين الغوطة الشرقية الواقعة إلى جانب طريق دمشق الدولي. وظنّ المسلحون أنّهم بهذا الخيار، يقلّلون من خسائرهم ويوفرون زخم عديدهم لمعركة دمشق.
والواقع أنه فقط، بعد فشل هجومه على العاصمة، اكتشف «الجيش الحر»، السرّ الكامن وراء هذه التكتيكات التي قام بها الجيش السوري، سواء لجهة طرد عناصره من حرستا، أو من ناحية تشديد الضغط على دوما. فالخطة الأولى كانت تعتمد، في كل مرة يهاجم الجيش الحر المدن الرئيسة، على نهج احباط هجومهم وابعادهم إلى عمق الأرياف. لكن الاستراتيجية الجديدة اعتمدت على استدراج المسلحين المهاجمين لفكي كماشة، بغية إبادتهم أو إيقاعهم في الأسر. وبحسب معلومات متطابقة، نجح الجيش السوري في تنفيذ تطبيقات هذه الخطة خلال معركة دمشق الأخيرة. وهذا ما تشرحه وقائعها التالية: يوم الخميس الماضي تقدّم مسلحو الجيش الحر من جنوب الغوطة الشرقية وغربها باتجاه طريق المطار، نشروا حواجز فوق نقاطه الأساسية (الجسرالرابع والخامس والسادس، ومفرق بلدة عقربا). في ذات الوقت، استهدف المسلحون حرم المطار بقذائف الهاون من بلدة حران العواميد. بالمقابل ردّ الجيش السوري بمحاولة استيعاب الهجوم على طريق المطار، فقام كخطوة أولى بقطع شبكة الانترنت، والاتصالات الأرضية اللاسلكية لفصل دمشق وريفها عن الفضاء الالكتروني العالمي. والغاية من ذلك حرمان المسلحين من استخدام الحواسيب المحمولة في تحديد احداثيات خاصة بمطار دمشق والعاصمة. ولكن بعد فترة وجيزة من هذا الاجراء، ظهر معطى جديد في المواجهة يشير إلى أنّ قيادة الهجوم تحصل من الخارج. وتمثل ذلك بقيام شركتا «غوغل» و«تويتر» بإشارة أميركية ــ فرنسية، بعد أقل من ساعة على قطع الانترنت، بتفعيل خدمة «اتصل للتغريد» للسوريين، من أجل تجاوز قطع الانترنت من قبل النظام، فتوفّر اتصال انترنت بديل للمسلحين والمعارضة. وتجدر الإشارة إلى أنّ الشركتين كانتا فعّلتا هذه الخدمة في مصر، عندما قام نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك في شهر شباط 2011 بقطع الانترنت عن مصر. وعممت الشركتان، على نطاق واسع في منطقة دمشق، عبر أجهزة استخبارات غربية، أرقاماً للاتصال عليها من أجل الإفادة من هذه الخدمة. وهذه الارقام هي (00902123391447 و 00302111982716 و 00390662207294 و0016504194196). مع تعليمات تقول إنّه بالامكان عبر الاتصال بهذه الأرقام ترك رسالة صوتية ليقوم موقع «تويتر» بنشرها كملفّ صوتي، ما يغني عن وجود اتصال عبر الانترنت. وأضافت هذه التعليمات، أنّه يمكن لمن يرغب بسماع هذه التغريدات، الاتصال بالارقام نفسها أو متابعتها عبر الرباط التالي: TWITTER.COM\SPEAK2TWEET
بالتوازي مع خطوة قطع الاتصالات لحماية مطار دمشق، اتجه الجيش السوري منذ يوم السبت ولغاية الآن، في تنفيذ عملية اطباق على المهاجمين، انطلق من محورين: الأول بدأ من المطار باتجاه العاصمة، لتأمين طريقه، وحقّق هذا الهجوم هدفه الأول منذ يوم السبت، حيث انحسرت مجموعات الجيش الحر عنه. والمحور الثاني يتكامل مع الهدف الثاني للمحور الأول، وهو اطباق فكي كماشة على المهاجمين، وانطلق من المدينة العاصمة باتجاه المطار. وبنتيجة الهجوم المعاكس على هذين المحورين، أصبح الجيش الحر المهاجم في تلك المنطقة، بين فكي كماشة، ولم يبقَ أمامه سوى خيار الانسحاب لداخل بساتين الغوطة الشرقية التي تنتهي عند بلدة دوما، لكن الجيش السوري كان قد تواجد في هذه المنطقة بعد دخوله حرستا قبل 4 أيام من الهجوم، ما أدّى إلى حصار الجيش الحر، وإبادة عناصره في بساتين الغوطة الشرقية (هناك معلومات عن ثلاثة الاف قتيل منهم).

خارطة الاشتباكات الآن

الفصل الثاني من الهجوم المعاكس للجيش السوري في معركة دمشق المستمرة فعالياتها العسكرية منذ يوم الجمعة الماضي، يدور حالياً فوق البقعة التالية من ريف دمشق: دوما، عربين، سقبا، وكفر بطن والمليحة. وكل هذه المناطق تندرج تحت اسم الغوطة الشرقية، بالإضافة إلى منطقة التضامن. ويتجه الجيش السوري في هجومه الحالي إلى تحقيق أمرين: إبادة المجموعات المسلحة فيها عن طريق سدّ نوافذ الخروج منها. الأمر الثاني، الاستيلاء على هذه المناطق، لتأمين مدينة دمشق من تعرّضها لقذائف متقطعة من ريفها القريب، كما حصل قبل أيام عندما تعرضت ساحة «جورج خوري» في حيّ باب توما في العاصمة لسقوط اكثر من قذيفة هاون، ما شلّ الحياة في العاصمة. كما يركز الهجوم الحالي على بلدة داريا، التي تعتبر معقل أساسي للمعارضة المسلحة في ريف دمشق، وكان يفترض أن تشكّل المحور الثاني لهجوم لجيش الحر، باتجاه العاصمة، لكن الجيش السوري كان قد دخلها بعد فترة من شلّ حركتها بالقصف، ويتوقع أن تعلن مدينة آمنة خلال الساعات المقبلة.



29 قتيلاً في قصف لمدرسة

تعرضت مناطق عدة في محيط دمشق وريفها لقصف من القوات النظامية. في وقت قتل 29 شخصاً في هجوم بالمورتر على مدرسة قرب العاصمة.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الانسان عن وقوع اشتباكات في محيط بيت سحم «اثر هجوم نفذه مقاتلون من كتائب عدة مقاتلة على حاجز للقوات النظامية عند مفرق طريق مطار دمشق الدولي»، بينما دارت اشتباكات كذلك في محيط بلدة الذيابية. وقتل ثلاثة أشخاص جراء قصف واشتباكات على محيط معضمية الشام، فيما طاول القصف مدينة داريا ومحيطها، بحسب المرصد. وفي حيّ التضامن في جنوب العاصمة، قال التلفزيون الرسمي إنّ «ارهابيين» قتلوا صحافياً في جريدة تشرين الرسمية، لدى توجهه إلى مكان عمله. في محافظة دير الزور، «سيطر مقاتلون من جبهة النصرة الاسلامية على قرية التبني الواقعة على طريق الرقة دير الزور، وذلك اثر اشتباكات عنيفة دارت ليل الاثنين»، بحسب المرصد. في محافظة إدلب، دارت اشتباكات عنيفة بين القوات النظامية ومقاتلين معارضين في محيط معسكر وادي الضيف، القريب من مدينة معرة النعمان. في موازاة ذلك، قالت وكالة الأنباء العربية السورية «سانا» إنّ هجوماً بالمورتر شنّه «إرهابيون» استهدف مدرسة البطيحة الأولى في مخيّم الوافدين بريف دمشق، وأسفر عن مقتل 29 طالباً ومعلمة واحدة.
(أ ف ب، يو بي آي، سانا)