الجميع يئنّ من تراجع تدفّق السياح. القطاع مسؤول عن 35% من الناتج المحلي الإجمالي وعن أكثر من ثلث قوة العمل على نحو مباشر وغير مباشر، لذا فإنّ تقلّص أدائه يعني حالة من التراجع الاقتصادي تبدأ بحرمان البلاد من عملات صعبة، وصولاً إلى تسريح العمال من المؤسسات السياحية.
إزاء التراجع السياحي الذي تعانيه البلاد، وتحوّطاً لانسحابه إلى عام 2013، أعدّ المجلس اللبناني للترويج خطّة لجذب السياح جرى عرضها أمس في اجتماع أوّل، بحضور رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، والوزير المعني فادي عبّود.
تقوم الخطّة أساساً على إطلاق حملة حسومات بنسبة 50% على مدى 50 يوماً، وتحديداً من 8 كانون الثاني حتّى 28 شباط. «تشمل هذه الحسومات أسعار تذاكر السفر والفنادق واستئجار السيارات، الى جانب عروضات خاصة في أسعار المطاعم والتسوق» يوضح الوزير.
ووفقاً لعبود، فإنّ رئيس مجلس إدارة شركة طيران الشرق الأوسط (MEA)، محمد الحوت، أشار خلال الاجتماع إلى أنّه «سيصار الى تخصيص سلة متكاملة تشمل تذاكر السفر والفنادق بأسعار لم يشهدها لبنان من قبل».
نجاح هذه الحملة يرتبط أساساً بتوفّر «الفرصة السياسية» يُشدّد عبود؛ فمن دون الاستقرار لا يُمكن جذب السياح حتّى لو قدّمت لهم غرف مجانية في فنادق خمس نجوم، لا في لبنان فقط بل في العالم أجمع!
وقد أدّت مجموعة من العوامل إلى إحجام شريحة كبيرة من السياح عن القدوم إلى لبنان، السياسي بينها رئيسي لا شكّ، فتقلّص تدفّقهم بنسبة تفوق الخمس مقارنة بالعام الماضي، ما حدّ من إنفاق هؤلاء أو لنقل من نموّه السنوي.
ففي الفصل الثالث من العام الجاري، سجّل إنفاق السياح في لبنان، وفقاً لحسابات شركة «Global Blue»، تراجعاً بنسبة 24% مقارنة بالفصل السابق.
أمّا بقياس الأداء الإجمالي خلال هذا العام حتّى أيلول الماضي، فقد سجّل ارتفاع في إنفاق السياح بنسبة 1% مقارنة بالعام الماضي.
وينبع الجزء الأكبر من هذا الإنفاق من الأموال الخليجية النفطية. فمثلما يوضح الرسم البياني المرفق، 42% من إنفاق السياح هو من أربعة بلدان خليجية فقط.
لذا، يبدو أن خطّة الترويج الجديدة تلعب دوراً لجذب الفئات من السياح المحتملين من أوروبيّين وأميركيين. وكذلك هناك فئة السياح من أصل لبناني! وهم المغتربون الذين شدّد فادي عبود أخيراً على أهمية جذبهم في هذه المرحلة لما يُشكّلونه من ذخر سياحي، في وقت تبدو فيه المقاطعة الخليجية للبنان واضحة.
«تلك المقاطعة سياسية بامتياز» يُعلّق وزير السياحة. «فخلال الأوقات الأكثر صعوبة أمنياً وسياسياً، التي مرّ بها لبنان، كان السيّاح الخليجيّون يتدفقون إليه. وحتّى خلال اجتياح عام 1982، كنا نجد الخليجيين في البلاد يسوحون ويرصدون الفرص الاستثمارية».
وتأتي الخطّة الجديدة التي يُشرف عليها أيضاً الفاعلون في القطاعات الخدماتية المختلفة، من الفنادق إلى المطاعم، فيما تزداد الحاجة إلى الأموال الأجنبيّة التي تتوزّع في المجالات المختلفة وإن يُلحظ تركزٌ سلعي وجغرافي هائل فيها. فوفقاً لبيانات «Global Blue» _ التي ترصد فقط مشتريات السياح التي تم استرداد الضريبة على القيمة المضافة المفروضة عليها _ يتركّز 73% من إنفاق السياح في عام 2012 على الموضة والثياب، ثمّ بنسبة 11% على الساعات والمجوهرات. وتوضح أنّ بيروت تستأثر بنسبة 84% من هذا الإنفاق، تليها منطقة المتن (جبل لبنان) بنسبة 12%.
لذا، مطلوب جداً أن تأخذ أي خطّة سياحيّة بعين الاعتبار التنويع الجغرافي، وربما دعم بعض القطاعات ليس فقط عبر الحسومات لتحفيز الطلب على أعمالها، بل عبر خفض أكلافها الثابتة مثل الإيجارات الهائلة التي تُسدّدها المؤسسات في المراكز السياحية مثل «سوليدير».