صنعاء | أعاد قمع السلطات اليمنية لمسيرة «الحياة الثانية» وفض اعتصام المشاركين فيها بالقوة تذكير شباب الثورة بأن الممارسات الأمنية التي خرجوا رافضين لها طوال أشهر الاحتجاجات، والتي ظنوا أنها ستتبدل بعد إطاحة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، لا تزال على حالها. وعمدت قوات الأمن أمام دار الرئاسة إلى استخدام طلقات الرصاص في الهواء والهراوات في فض الاعتصام، ليل أول من أمس، بعدما فشلت جهودها في ثني المحتجين عن الاعتصام أمام دار الرئاسة.

أوجاع من كانوا يرقدون في المستشفى الميداني في صنعاء، الذي فتح أبوابه الموصدة منذ فترة لإسعاف شباب وشابات مسيرة الحياة الثانية، أعاد التذكير بمأساة القصة التي بدأت العام الماضي وعادت لتتكرر اليوم. يومها انطلقت جموع من النساء والرجال من محافظة تعز مشياً على الأقدام إلى العاصمة صنعاء في مسيرة أطلقوا عليها اسم «مسيرة الحياة». المسيرة استمرت خمسة أيامٍ متتالية وانضمت إليها جموع متنوعة من القرى والعزل والوديان التي مرت بها على مدى أكثر من 280 كيلومتراً حتى وصلت حدود العاصمة في الرابع والعشرين من كانون الثاني 2011. حينها استُقبلت المسيرة بنيران قوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح، التي كانت لا تزال تحت إمرة نجله أحمد وابن أخيه يحيى. وكانت النتيجة تسعة قتلى وعشرات الجرحى نتيجة اعتداء قوات الأمن على كل من المتظاهرين القادمين من خارج صنعاء والمستقبلين على حدٍّ سواء في منطقة دار سلم في مداخل العاصمة صنعاء.
أما الرابع والعشرون من كانون الثاني الحالي فقد حمل ملامح أقل دموية، ولكنها أكثر إيلاماً. فالجموع القادمة من تعز في ما أطلقوا عليه «مسيرة الحياة الثانية» اتجهت يوم الاثنين الماضي صوب دار الرئاسة التي تمنّوا الاعتصام أمامها العام الماضي. وبمجرد وصولهم إلى ميدان السبعين باتجاه بوابة الرئاسة، حاصرتهم القوات الخاصة المعنية بحراسة القصر بغرض دفعهم إلى التراجع عن فكرة الاعتصام. وعندما فشلت فرضت قوات مكافحة الشغب طوقاً أمنياً عليهم منعاً لاتساع الاعتصام المكوّن من قرابة سبعين شاباً وخمس فتيات.
وعلى الرغم من البرد القارس، منعت قوات الأمن دخول الطعام والماء والبطانيات إلى منطقة الاحتجاج، ما دفع المعتصمين إلى توجيه نداءات استغاثة.
بسام الحكيمي، أحد المعتصمين القادمين من تعز والمنظمين لمسيرة الحياة الثانية، أوضح لـ«الأخبار» أن أهداف الاعتصام كانت تتلخص في دفع الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى إصدار قرار رئاسي واضح يقيل فيه أحمد صالح نجل الرئيس السابق واللواء علي محسن الأحمر قائد الفرقة الأولى مدرع سابقاً، إضافة إلى اللواء ركن غالب مطهر القمش، رئيس الجهاز المركزي للأمن السياسي، لكون القرارات الرئاسية التي صدرت الأسبوع الماضي لم تعلن إبعاد هؤلاء من مراكزهم بشكلٍ نهائي.
وتحدث لـ«الأخبار» عن الأوضاع الصعبة التي مرّ بها المعتصمون، لافتاً إلى أنهم لم يحصلوا على الغذاء أو الماء لأكثر من ثماني ساعات منذ وصولهم إلى صنعاء. لكن هذا الحصار لم يثنهم، إذ علت هتافاتهم أمام دار الرئاسة في نداءات إلى صنعاء التي رأوا أنها خذلتهم العام الماضي وتخذلهم مجدداً، فظلوا يرددون: «يا صنعاء: من تعز العز جينا... خففي بردك علينا».
أما الناشطون والناشطات الذين جاؤوا بالطعام والبطانيات للمعتصمين أول من أمس إلى ميدان السبعين، انتهت وقفتهم، التي كانت تريد إيصال المعونات إلى اعتصام الرئاسة، أيضاً بعدما فضّت قوات مكافحة الشغب الاعتصام والوقفة المساندة له بقنابل الغاز المسيل للدموع والهراوات وانتهت بدهس أحد المعتصمين، فهمي المغلس، بناقلة جند.
وفيما لا يزال المغلس يصارع الموت بعد كسور في الحوض والقفص الصدري، غادر المصابون الذين بلغ عددهم أكثر من خمسة عشر مصاباً ومصابة حجرات المستشفى في ساعات الفجر الأولى باتجاه حدود العاصمة مرة أخرى للتفكير في الخطوة المقبلة ولسان حالهم يتغنّى بأغنية يمنية قديمة كانت ألحانها تنبعث من جهاز تسجيل عتيق في المقهى المجاور للمستشفى الميداني «الموت يا بن التعاسة يخلق الشجعان. فكر بباكر ولا تبكي على ما كان... دم الضحايا صانع الألحان».
أما براء شيبان، وهو أحد الذين شاركوا في الوقفة الاحتجاجية التضامنية مع المعتصمين، فقال «قد لا نتفق مع مدى واقعية أهداف اعتصام السبعين، ولكن لا نستوعب أن هذه هي طريقة معاملة الأمن للاعتصامات السلمية بعد قيام ثورة».