منذ عام 2005، ظلت التحقيقات في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري محل شكوك في الخلفية التي تتحكم في من يقود فريق التحقيق، سواء ذلك في لبنان أو على صعيد الموظفين الدوليين. وبعد إنشاء «المحكمة الدولية الخاصة بلبنان»، لم تُترَك هذه الشكوك، بل تعاظمت مع إعلان القرار الاتهامي الذي يبدو أنه يستند إلى روايات لعشرات بل مئات الشهود وإلى أدلة ترتبط بملف الاتصالات الهاتفية، وهو الملف الذي أعدّه فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي بدءاً من نهاية عام 2005.
وبحسب البرنامج المعلن، سوف ينطلق عمل المحاكمات في آذار المقبل. وسيعود فريق الادّعاء إلى شرح قراره الاتهامي وعرض أدلته وتقديم شهوده. في المقابل، يدرس فريق الدفاع خيارات عدة، بسبب قصر الفترة الزمينة التي أعطيت له لإعداد ملفاته، وبسبب الضغوط غير المعلنة عليه، والهادفة إلى حمله على توفير «غطاء قانوني» لعملية «محاكمة سياسية». ويتيح نظام المحكمة لوكلاء الدفاع فتح تحقيق خاص بهم في الجريمة، على أن يستغرق الوقت الذي يريده، فضلاً عن وجوب أن تطيعه الحكومة اللبنانية أسوة بما كانت تقوم به مع مكتب المدعي العام السابق دانيال بلمار والحالي نورمن فاريل. لكن المطّلعين على ما يدور في المحكمة يؤكدون أن الموارد المادية الموضوعة في تصرّف مكتب الدفاع ضئيلة أو تكاد تكون معدومة، إذا ما قورنت بالإمكانات التي صرفها فريق التحقيق والادّعاء منذ عام 2005، أو حتى منذ انطلاقة عمل المحكمة في آذار 2009. وبإمكان فريق الدفاع أن يطلب تأجيل بدء المحاكمة. ويجري البحث في إمكان أن يقدّم مكتب الدفاع طلباً بهذا الخصوص، لكن دون ذلك رأي رئاسة المحكمة التي تلقّت ما يشبه الإنذار من الدول المموّلة، بوجوب إظهار نتائج لعمل المحكمة، تحت طائلة التوقف عن التمويل.
خلال السنوات الماضية، نشرت «الأخبار»، كما وسائل إعلام في لبنان ودول عربية وأوروبية والولايات المتحدة الأميركية وكندا وأوستراليا، الكثير عن أوراق عمل لجنة التحقيق الدولية، وأوراق عمل المحكمة الدولية نفسها. ودلّت هذه العملية على أن مبدأ التسريب لا يزال معتمداً بقوة لدى الفريق النافذ في المحكمة. ويمكن متابعي عمل «محكمة الحريري» الجزم بأن معظم ملفاتها، إن لم تكن كلها، باتت مكشوفة لمن يسعى للحصول عليها. الأمر كان كذلك أيام تحقيقات فرع المعلومات، وظل على المنوال ذاته في عهد لجنة التحقيق الدولية، كما لم تتبدل الحال منذ انتقال المحققين إلى لاهاي، واحتفاظهم بمكتب تمثيلي لهم في بيروت. وحتى اليوم، يتجاهل القيّمون على عمل المحكمة، أو يحاولون تجاهل، كون أعضاء فريقي التحقيق والادّعاء لا يخلعون على أبواب مبنى الاستخبارات الهولندية السابق في إحدى ضواحي «عاصمة العدالة الدولية» (لاهاي) كل ألبستهم، بل إنهم يحافظون على صلاتهم بأجهزة بلادهم وغيرها.
ومن تابع عمل التحقيق الدولي منذ نشأته الأولى، سمع لا شك من القيّمين (السياسيين والقضائيين والأمنيين والتقنيين) على «كشف الحقيقة»، وعودهم بإظهار مفاجآت «في الوقت» المناسب، لتدعيم الاتهام السياسي الذي شُهر منذ لحظة اغتيال الحريري. وجرى اللجوء إلى ألاعيب تتيح إطالة أمد اعتقال الضباط اللبنانيين الأربعة حتى نهاية نيسان 2009، مع ما يعنيه ذلك من توريط للنظام السوري في الجريمة. قبل ذلك، كان هؤلاء القيّمون يؤكدون وجود مفاجآت في حوزة لجنة التحقيق الدولية ثم المدّعي العام في المحكمة، «ستُثبت صحة الاتهام العلني». خرج الضباط من السجن، ولم تظهر المفاجآت المزعومة. بعدما تبدّلت وجهة الاتهام السياسي من سوريا إلى حزب الله، عاد الفريق ذاته إلى اللعبة عينها. هو يَزعم أن الفرضية «التي تبدو هشّة، والتي بُني عليها الاتهام، مستندة إلى مفاجآت ستثبت صحة ما ورد في القرار الذي أصدره دانيال بلمار قبل 18 شهراً». ومن بين «أوراق القوة» التي يتحدث عنها فريق الادّعاء (السياسي والأمني والقضائي) يبرز ملف الشهود. والحديث الرسمي يدور حول نحو 585 شاهداً سيسلّم الادّعاء إفادات نحو 20 في المئة منهم إلى مكتب الدفاع.
لكنّ مصادر موثوقة أكدت لـ«الأخبار» أن العدد الحقيقي لشهود فريق الادّعاء يفوق العدد المعلن «ببضع مئات». وهؤلاء موزعون على فئات عدة: بينهم رجال سياسة يقدمون رأيهم ومعطياتهم، وخبراء في الأمن والاتصالات والاستخبارات يدلون بوقائع أو تحليلات ويقدمون شهادات لمساندة القرار الاتهامي، إضافة إلى فئة الشهود الذين يجري تجميعهم عادة من مسرح الجريمة أو محيطه، كسائق سيارة أو أفراد في موكب الرئيس رفيق الحريري أو صاحب محل هواتف خلوية أو مشرف على صالة لبيع السيارات أو مسؤول في شركة أمنية خاصة تحرس مباني مشرفة على مسرح الجريمة أو ما يرتبط بها.... إلى آخر القائمة المعتادة في المحاكم.
وحصلت «الأخبار» على لائحة بعدد من الشهود الذين يقدمهم الادّعاء على أنهم عناصر دعم لفرضيّته التي بنى قراره الاتهامي عليها.
في ما يأتي، تنشر «الأخبار» نبذة عن عدد من هؤلاء الشهود، هم كناية عن «عينة» من الذين سيستعرض فريق الادّعاء عضلاته بإفاداتهم في سبيل إدانة حزب الله باغتيال الحريري وآخرين. وهذا العمل يشتمل أيضاً على برامج وأدلة تحتاج إلى الكثير من عناصر الإسناد ليصبح بالمقدور وصفها بـ«القرائن القابلة للنقاش»، قبل أن ترقى إلى مستوى الدليل القطعي.
(الأخبار)