فشل وزير الداخلية مروان شربل في اقناع مجلس الوزراء، الذي عقد امس في السرايا الحكومي في بيروت، بتشكيل لجنة وزارية لمتابعة قضية الاسير اللبناني في السجون الفرنسية جورج ابراهيم عبد الله. وكان شربل قد قدم وعداً للحملة الدولية لاطلاق سراح عبد الله بأن يطرح هذا الامر على مجلس الوزراء، في مقابل تعهده للسفير الفرنسي في بيروت باتريس باولي بأن يشكل هذا الامر مدخلاً لفك الاعتصام المفتوح والخيمة المنصوبة امام السفارة الفرنسية في بيروت وابعاد الاعتصام المطالبة بحرية عبد الله عن المراكز الثقافية الفرنسية المنتشرة في المناطق اللبنانية.
وكانت غرفة تنفيذ الأحكام في باريس قد استجابت لطلب الإفراج عن جورج إبراهيم عبد الله، في 21 تشرين الثاني الماضي، بشرط ترحيله، وثبتت محكمة الاستئناف في باريس في 10 كانون الثاني هذا الموقف، رافضة الطعن الذي تقدمت به النيابة العامة الفرنسية لتحسم الجدل بشأن قرارها النهائي والقاطع بالإفراج عن عبد الله. لكن امتناع وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالس عن التوقيع على قرار الترحيل، دفع بالمحكمة الى تأجيل انفاذ حكمها باطلاق عبد الله الى جلسة تعقد في 28 كانون الثاني الحالي.
وبحسب مصادر وزارية متقاطعة فان المسألة طرحت للنقاش من خارج جدول الاعمال، وعندما طرح شربل تشكيل لجنة وزارية جرى نقاش مفتوح شارك فيه عدة وزراء، ومن بين الاقتراحات التي قدمت تولي اللجنة الوزراية المعنية بمتابعة ملف المخطوفين هذه المسألة. وفي معلومات لـ «الاخبار» عارض الاقتراح الوزير سليم جريصاتي الذي قدم مداخلة شرح فيها الابعاد القانونية المتعلقة بقضية عبد الله، والتي تختلف بشكل جذري عن قضية المخطوفين. واقترح جريصاتي تشكيل وفد رسمي لزيارة فرنسا يبحث مع الحكومة الفرنسية اسباب امتناعها عن اطلاق عبد الله. وقد تلقف شربل هذا الاقتراح ودعمه. في المقابل برز اتجاه آخر في الجلسة يقضي بالتدرج في طرح هذه المسألة، خصوصاً ان هناك موعدا مقررا للمحكمة الفرنسية للنظر في القضية الاثنين المقبل. وبعد المداولة طلب مجلس الوزراء من وزير العدل شكيب قرطباوي متابعة الاتصالات مع الفرنسيين حول هذه المسألة، ومن وزير الخارجية عدنان منصور متابعة القضية مع السفارة الفرنسية في بيروت والخارجية الفرنسية لحل الموضوع في اسرع وقت ممكن.
وفي اتصال مع «الاخبار» قال الوزير قرطباوي انه بصدد اعداد مراسلة رسمية ترسل عبر القنوات الرسمية بحيث تكون الحكومة الفرنسية مجبرة على الاجابة عليها.
وكان قرطباوي قد اعلن في تصريح سابق أنه بعث برسالة عبر البريد الإلكتروني إلى نظيرته الفرنسية كريستيان توبيرا، فلم يتلقّ رداً، واتصل مرتين ولم يوفق بالوصول إليها، فعاود إرسال رسالة إلكترونية جديدة من دون أن يتلقى رداً بعد. ويشير هذا السيناريو إلى أن الجانب الفرنسي يتجاهل الجانب اللبناني من خلال قنوات الاتصالات الشخصية.
مصدر وزاري رفض الكشف عن اسمه، أكد لـ «الاخبار» ان اقرار لجنة وزارية او تشكيل وفد لزيارة فرنسا لم يكن وارداً هذه الجلسة لاسباب عدة، ابرزها أن هذه المسألة تتعلق بعلاقات لبنان الخارجية، ويقضي العرف ان يتم البت بهذه المسائل في جلسة تعقد برئاسة رئيس الجمهورية. كما ان غياب وزير الخارجية عن الجلسة لوجوده خارج لبنان، عزز من خيار التدرج والاكتفاء بتكليف الوزرين قرطباوي ومنصور متابعة المسألة بشكل مشترك، الى حين حدوث تطور يستدعي مناقشة القضية في جلسات قادمة.
وتابع المصدر: «لم يتبين لي ان احدا من الوزراء بنيته التسويف او تمييع هذه القضية، ولم اجد اي معارضة او عرقلة للتدخل الحكومي في هذه القضية، والرئيسان سليمان وميقاتي يتابعان هذه المسألة ويوليانها اهتماماً خاصاً».
ولكن ما الذي يمكن ان تفعله الحكومة اللبنانية قبل ستة ايام من موعد انعقاد محكمة تطبيق الأحكام في باريس؟ ولا يزال جاك فيرجيس محامي عبد الله يأمل بأن يتم البت بالقرار النهائي بشأن الإفراج عن عبد الله. لكن الآمال تتضاءل في احتمال تراجع وزير الداخلية الفرنسية مانويل فالس عن قراره بعدم التوقيع على قرار الإبعاد من الأراضي الفرنسية لعبد الله المسجون في لانمزان (البيرينيه العليا).
وطلب فيرجيس في رسالة نقلتها رئيسة التجمع لحرية جورج عبدالله في فرنسا سوزان لو مونسو ان تمارس الحكومة اللبنانية اقصى ضغط سياسي ممكن على الحكومة الفرنسية، لان تعطيل الافراج عن عبد الله هو قرار سياسي ولا علاقة للقضاء به.
وكان نقيب المحامين في بيروت نهاد جبر، التقى امس جوزيف، شقيق جورج عبدالله، ترافقه المحامية فداء عبد الفتاح والمحامي معن فياض. بعد اللقاء قال عبدالله: «عندما كان النقيب جبر في باريس كانت له مواقف ايجابية وكان متفائلا، وهو الآن على استعداد لدعم وقفة تضامنية حقوقية لمجموعة من المحامين حول هذا الامر». وأشار عبدالله الى تحديد الساعة الحادية عشرة من قبل ظهر يوم الجمعة المقبل موعداً لاعتصام وتحرك المحامين بالتزامن في نقابتي بيروت والشمال.
وعلى صعيد التحركات التضامنية، نفذ طلاب من الجامعة اللبنانية من كليتي العلوم -الفرع الخامس، وإدارة الاعمال -النبطية اعتصاما أمام المركز الثقافي الفرنسي في مدينة النبطية.
واحتشد المعتصمون امام مدخل المركز حاملين لافتة كبيرة عليها صورة عبدالله وعبارة «28 عاما من الاسر في السجون الفرنسية»، فيما أتخذت في محيطه وحدات من الجيش اللبناني، وقوى الامن الداخلي اجراءات أمنية مشددة.
وألقت الطالبة منى خليل سلامي كلمة طالبت فيها السلطات الفرنسية باطلاق عبدالله. كما تحدث عضو الحملة الدولية لاطلاق سراح عبدالله حسن صبرا ، منتقدا ما قامت به فرنسا من انتهاك للقوانين والتبعية للادارة الاميركية. وفي الختام، قام عدد من المعتصمين برفع صورة كبيرة لعبدالله على بوابة مدخل المركز الثقافي الفرنسي.
وفي بيروت، زار خيمة الاعتصام المفتوح النائب البريطاني جورج غالاوي معلناً انه بصدد طرح الموضوع في بريطانيا والتنسيق لاقامة عدد من الانشطة التضامنية في عدة مدن اوروبية. وطالب غالاوي فرنسا ان لا تعتبر نفسها الولاية الاميركية الـ51. واضاف ساخراً «دعوا هذا الامر لبريطانيا». ولفت غالاوي الى ان جورج عبد الله سجين سياسي ورهينة بسبب انصياع فرنسا للادارة الاميركية وتخليها عن قيم الإخاء والعدالة والمساواة.