عادة، تسعى الدول الى تطوير الزراعة عبر تمكين المزارعين من تصريف إنتاجهم محلياً أو في الخارج. وفي معظم دول العالم، هناك تعاونيات زراعية ينشئها مزارعون وتتلقى دعماً من وزارات الزراعة للاهتمام بقضايا الزراعة، وخصوصاً في ما يتعلق باستعمال التكنولوجيا والآلات ووسائل الري وتصريف الإنتاج، وتعدّ التعاونيات أطراً مؤسسيّة تسهم في تطوير المنتج الزراعي وإرشاد المزارعين وتوجيههم نحو الزراعات المطلوبة في السوق المحلية والعالمية، إضافة الى تحسين جودة الإنتاج وفق المواصفات المطلوبة في الأسواق...
هذا عادة، أما في لبنان فتقوم تعاونيات زراعية هشة بمعظمها، بعيدة عن الهموم الزراعية، مقسّمة طائفياً ومذهبياً وحتى سياسياً، تتكاثر كما تتكاثر سائر الجمعيات في لبنان، لتستفيد من تمويل من هنا ودعم من هناك على حساب قطاع ينهار بمن فيه من مزارعين وعمال زراعيين وقيم إنتاجية!
سجلات التعاونيات الزراعية في وزارة الزراعة مبعثرة فعلياً، يدوية، تنتج أرقاماً تقريبية وتوصف المشكلات من دون تحديدها، لحل هذه المشكلات على الأقل... إلا أن السجلات المبعثرة تظهر أن عدد الجمعيات التعاونية المسجلة في المديرية العامة للتعاونيات في وزارة الزراعة وصل الى حوالى 1200 جمعية تعاونية، وبين هذه التعاونيات، يقول وزير الزراعة حسين الحاج حسن، إن «هناك 400 تعاونية متخصصة في الزراعة حصراً، إلا أن 20 تعاونية فقط تعدّ حقيقية أو عاملة»، ما يعني أن حوالى 95 في المئة من التعاونيات الزراعية وهميّة!
إذ إنّ معظم التعاونيات الزراعية قد فرّخت تفريخاً، وتوزّعت على الأحزاب السياسية المسيطرة في المناطق، هدفها الوحيد الحصول على تمويل (من وزارة الزراعة أو تمويل خارجي)، وليس المنتفعون وحدهم هم من يلهثون خلف خلق الجمعيات التعاونية الزراعية، إذ إن لبنان شهد حالة ظهرت الى العلن، بحيث إن أحد وزراء الزراعة السابقين عمد الى إنشاء جمعيات وهمية للإفادة من تمويل إحدى المنظمات الدولية، إلا أن عمليته باءت بالفشل!
وتشير سجلات الوزارة نفسها الى أنه بين عامي 2009 و2010 حلّت حوالى 200 جمعية تعاونية زراعية نفسها، أما الأسباب فأهمها انتفاء الحاجة الى وجودها بعد الحصول على التمويل الذي كانت تسعى إليه! ويشير رئيس جمعية المزارعين أنطوان حويك في هذا الإطار الى أن مديرية التعاونيات في الوزارة بلا مدير منذ سنوات، بحيث أقيل المدير العام السابق بسبب تهم تتعلق بالفساد، وتسلّم وزير الزراعة هذه المديرية شخصياً. ويلفت الى أن التعاونيات الناجحة قليلة، وأكثريتها أسست سياسياً، إذ تشهد التعاونيات ازدياداً لافتاً، أما عملها فيرتكز على الحصول على تمويل لا يصرف عادة لتنمية القطاع الزراعي في المناطق. ويرى حويك أن معظم التعاونيات الزراعية في البقاع هي هيئات وهمية أسست وفق خلفيات سياسية ومناطقية للحصول على مساعدات ومنافع، فيما التعاونيات الفاعلة قليلة وهي عائلية بمعظمها.
ويشرح حويك أنه حين جاء الاتحاد الأوروبي لمساعدة التعاونيات الزراعية في لبنان، ذهبت مساعداته الى أشخاص وهميين وإلى جمعيات بمعظمها غير موجودة، فيما يشير أحد المزارعين في البقاع لـ«الأخبار» إلى أن أحد التجار الزراعيين أنشأ جمعية تعاونية زراعية فور إعلان الاتحاد الأوروبي عن مساعداته، وقد حصل على تمويل لإنشاء براد للمزروعات، إلا أن هذا البراد استخدمه التاجر وحده الذي يعدّ «مليونيراً» وذلك بدلاً من أن يفيد منه أكبر عدد من المزارعين في المنطقة!
وإذا كان الربح والخسارة يرتبطان بالعمل التجاري عادةً، إلا أن معظم التعاونيات الزراعية في لبنان ميزانياتها خاسرة، والخسارة المدموغة هنا على سجلات التعاونيات تطال فقط تلك التي تتقدم بميزانياتها الى مديرية التعاونيات في الوزارة، بحيث إن أكثر من 90 في المئة من هذه التعاونيات لم تقدم ميزانياتها للمديرية منذ عام 2006 حتى اليوم، وذلك على الرغم من صدور قرار من مجلس الوزراء في عام 2006 يشير الى عدم الاعتداد بأي ميزانية لا تحمل توقيع محاسب مجاز. وهذا الموضوع يتناقض بالمطلق مع المادة 25 من النظام الأساسي للجمعيات التعاونية التي تشير الى أن «على مجلس إدارة التعاونية أن يعدّ حساباتها للعام المنصرم ويعرضها على الجمعية العامة للتعاونية موقّعاً عليها منه ومن مراجع الحسابات، في مهلة أقصاها ثلاثة أشهر من انقضاء السنة المالية، ويجوز تمديد هذه المهلة شهراً في الحالات الاضطرارية بعد موافقة مديرية التعاونيات» ...
ويشير رئيس اللقاء الدوري الزراعي جهاد بلوق الى أن واقع التعاونيات الزراعية متشابه في جميع المناطق اللبنانية، لافتاً الى أنه في السابق كان هناك أعداد ضخمة من التعاونيات الزراعية، فيما معظمها كان وهمياً بحيث يتم إنشاؤها للحصول على المساعدات التي تقدمها وزارة الزراعة والتي كانت تصل الى 50 مليون ليرة في بعض الحالات. وأوضح أنه تم إنشاء مئات التعاونيات الزراعية في الجنوب لا للعمل على التنمية الزراعية وتطوير الإنتاج والقطاع الزراعي، بل لتحقيق إفادات شخصية حصراً، شارحاً أنه قبل طفرة التعاونيات الزراعية كان مبدأ التعاونية يقوم على تحسين أوضاع المزارعين، لا بل كانت التعاونيات تقوم بالأعمال التي تنفذها البلديات حالياً، وكانت تنشأ على قاعدة التعاون ذي الطابع الزراعي، بحيث يتكتل عدد من المزارعين وينشئون جمعيات تعاونية لشراء شاحنة زراعية للقرية، أو لتطوير زراعات معينة، أو للقيام بحملات إرشادية زراعية، وكذلك للعمل على تسويق المنتجات الزراعية للقرى، إلا أن هذا المفهوم ضرب كلياً مع هجوم الدول المانحة على لبنان، وغلبة التفكير التجاري من حيث إنشاء التعاونيات لتحقيق الأرباح على حساب الزراعة. ويلفت الى أن الواقع الحالي تغيّر نسبياً، إذ إن هناك إجراءات عملية قام بها وزير الزراعة حسين الحاج حسن لضبط نمو التعاونيات الزراعية غير المجدي، بحيث أوقف المساعدات المالية المباشرة التي كانت توزع كل عام عند تحديد موازنات التعاونيات، وأصبحت معظم المساعدات المقدمة من الوزارة عينية، كما أنه جرى التشديد في ما يتعلق بالشروط المفروض توافرها لدى الجمعيات التعاونية للحصول على المساعدات.



5 اتحادات تعاونية

هو عدد الاتحادات التعاونية في لبنان، فيما يوجد 6 جمعيات تعاونية متحدة، وتوجد التعاونيات الزراعية في جميع المحافظات، حتى إن بيروت تضم 3 جمعيات تعاونية زراعية، في حين يتواجد في محافظة الجنوب والنبطية العدد الاكبر من الجمعيات التعاونية الزراعية



هدف التعاونيات ليس الربح

يعرّف القانون الجمعية التعاونية بأنها كل جمعية تتألف من أشخاص ولها رأسمال غير محدود، ولا يكون هدفها الربح وتؤسس وفقاً لأحكام هذا القانون، وتكون غايتها تحسين حالة أعضائها اقتصادياً واجتماعياً وذلك بتضامن جهودهم وفقاً لمبادئ التعاون العامة. كما تتمتع الجمعية التعاونية بالشخصية المعنوية، ما يعطيها الحق بتملك الأموال المنقولة ومنها المؤسسات التجارية ولها الحق بتملك الأموال غير المنقولة تحقيقاً لأهدافها. وتستطيع الجمعية التعاونية الاندماج بجمعية تعاونية أخرى، ويخضع ذلك لنظام اندماج الشركات في لبنان.