قل لي من في الحكومة أقل لك ما في طبخة التشكيلات القضائية. هكذا كانت الأمور دائماً في لبنان. لكن يبدو أن الحكومة الحالية ستكسر هذه القاعدة، ليس بإرادتها بالضرورة، وبالتأكيد ليس لأنها مثالية في تطبيق مبدأ فصل السلطات، بل لأنها حكومة أدمنت، ربما، الخسارة مع سبق الفشل وإصراره.
إذاً، إنها التشكيلات القضائية مجدداً، التي قيل أن مجلس القضاء الأعلى من إعدادها صباح أمس، ليعود قضاة المجلس ويختلفوا عليها بعد اجتماع استمر حتى ساعة متأخرة من ليل أمس، بحسب ما نقلت مصادر قضائية إلى «الأخبار». على كل حال، ما رشح خلال النهار أمس، يفيد بأن القاضي خالد زودة، المقرّب من الرئيس نجيب ميقاتي، لن يعيّن في محكمة التمييز، ما يعني أنه مع انتهاء ولاية القاضي حاتم ماضي بعد أشهر، فإن القاضي الذي سيكلف بمنصب المدّعي العام لدى محكمة التمييز لن يكون محسوباً على فريق 8 آذار، بل لن يكون محسوباً على ميقاتي أيضاً. سيتولى المنصب، انتداباً، القاضي سمير حمود، كما تولاه بعد إحالة القاضي سعيد ميرزا إلى التقاعد قبل أشهر، وذلك بصفته القاضي الأعلى درجة من بين القضاة السنّة (ليس محسوباً على جهة سياسية). وبحسب المعلومات، فإن القاضي بركان سعد (ليس محسوباً على أحد أيضاً)، الذي يرأس محكمة الجنايات في بيروت حالياً، سيُعيّن رئيس غرفة في محكمة التمييز، ليحل مكانه في الجنايات القاضي محمد خير مظلوم.
ومما رشح من معلومات، فإن القاضي طنوس مشلب، الذي رشحه العماد ميشال عون سابقاً لرئاسة مجلس القضاء الأعلى، سيثبت مدّعياً عاماً في جبل لبنان. وسيعيّن القاضي ميشال طرزي رئيس غرفة في محكمة التمييز خلفاً للقاضي المتقاعد جورج بديع كرم. أما القاضي حبيب حدثي، فسيُعين رئيس غرفة في محكمة التمييز مكان القاضي المتقاعد الياس ابو ناصيف. وسيكون القاضي كلود كرم، النائب العام الحالي في جبل لبنان، نائباً عاماً استئنافياً في بيروت.
ما يُسمع في أروقة العدلية، هذه الأيام، يشير إلى أن الحكومات الحريرية ما زالت تمسك بزمام القضاء. سعد الحريري أقيل من رئاسة الحكومة، صحيح، غير أن أدوات سلطته ظلت على حالها، حتى بعد إحالة القاضي ميرزا إلى التقاعد. فالأخير، ومعه كل من الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي سهيل بوجي ورئيس مجلس القضاء الأعلى السابق القاضي غالب غانم، كان لهم أثر بالغ في صوغ التشكيلات، معتمدين على ما لديهم من نفوذ بين القضاة الحاليين.
يُذكر أن رئيس مجلس القضاء الأعلى الحالي، القاضي جان فهد، تجمعه بخلفه غالب غانم علاقة وثيقة، ويقال بأن «رغبات غانم ما زالت تمر إلى القضاء عبر فهد، علماً أن لدى غانم طموحات سياسية ويسعى لأن يثبت دعائمه في أكثر من مكان، وطبعاً على رأسها القضاء». إذاً، كل الأسماء المسربة، وغير المسربة، يؤكد المتابعون أنها لا تصب لصالح الفريق السياسي المسيطر على الحكومة. حتى رئيس الحكومة، فإنه لن ينال تعيين أي من المقربين منه في محكمة التمييز، ولا حتى من قضاة الشمال المؤهلين درجياً، ومن هؤلاء خالد زودة ونبيل صاري ورندة حروق. يُشار إلى ميقاتي يضع على صاري، وهو من أبناء طرابلس، «فيتو» في التشكيلات، علماً أن درجته القضائية تؤهّله للمناصب العليا، ويُسجل له أنه كان القاضي العدلي الأول الذي يصدر قراره الإتهامي في قضايا الإسلاميين، تحديداً في التفجيرات التي طالت الشمال، خلال السنوات الأخيرة.
ربما لن يكون من نصيب ميقاتي، بشكل مباشر، سوى تعيين القاضي بسام مولوي رئيساً لمحكمة الجنايات في الشمال. كذلك سيُعين خالد عكاري قاضي تحقيق في المحكمة العسكرية. أما في ما يتعلق بالمراكز العليا المتبقية، في سائر المحافظات، فإن الأسماء التي تتولاها من القضاة تدور بين نسيب إيليا وندى الأسمر.
إلى ذلك، أكد وزير العدل شكيب قرطباوي لـ «الأخبار» أنه لم يتدخل شخصياً في مسألة التشكيلات، و«يفترض أنها أصبحت منتهية، أو أنها في طريقها، بحسب ما وعد القضاة». ويضيف قرطباوي: «التشكيلات سترسل إليّ، فإما أوافق عليها وأوقّعها وأرسل المرسوم إلى رئيس الحكومة، وإما أعيدها إلى مجلس القضاء الأعلى إذا كانت لي ملاحظات عليها. ولكن اليوم لا يمكنني الجزم طالما أنني لم أطلع عليها بعد».
إذاً، يمكن القول ان التشكيلات أصبحت شبه منتهية من جانب القضاء، ولكن يبقى هناك مجال للإتصالات والأخذ والرد، وهذا ما يُرجح حصوله، قبل صدور مرسومها الذي طال انتظاره.