لم تصبر بثينة الزين إلى يوم الخامس والعشرين من الشهر الجاري لتحتفل بعيد ميلادها الثامن والثلاثين وسط أشقائها وأطفالها الأربعة. اختارت طوعاً أن تقصف عمرها يوم 27 شباط الفائت. يومها، دخلت إلى الحمام ورشت على جسدها مبيداً حارقاً وأشعلت النار، بحسب التحقيقات الأولية للقوى الأمنية. زوجها ربيع ق. الذي كان متواجداً في المنزل حاول إنقاذها لكنه لم يستطع وأصيب بحروق طفيفة في أنحاء جسده.
في جويا، بلدة الراحلة، تتكاثر روايات الناس عن ظروف ما تعرّضت له. يجمع معظمهم على أنها أقدمت على الانتحار بسبب إصرار زوجها على الزواج من امرأة ثانية... هي طليقة شقيقها. «لم تتحمل الوضع وفضّلت الموت» يقولون. وهم بذلك ينقسمون في تقييم ما فعلته بين متضامن معها ورافض لما اقترفته. يقولون إنها «تعبت كثيراً في حياتها وضحت لأجل زوجها وأطفالها. إذ كانت تعمل في التزيين النسائي وتدير شؤون بيتها وأطفالها ولا تكل. فعلت الكثير لأجل زوجها الذي أحبّته بجنون، برغم أنه معروف بعلاقاته النسائية المتعددة طوال فترة زواجه منذ 15 عاماً وكانت تتغاضى عن الأمر حرصاً على أسرتها وبيتها». لافتين إلى أن والد بثينة متوفّ، ووالدتها تقيم في منزل شقيقتها المتزوجة، أما أشقاؤها الذكور فيقيمون في الخارج. أي أنها لا تملك ملجأ يحضنها ويدعمها في حال قررت الطلاق.
قصدنا شقيقتها خلود للتحقق من روايات الناس. الوالدة جالسة على الأرض في انهيار تام. شقيقتها ليست أفضل حال. في وجهيهما نقمة ممزوجة بغضب عارم، ليس من الصهر الذي يحملانه مسؤولية ما أصاب بثينة، بل من المجتمع الذي ساهم في قتلها. تصران، ومعهما شقيقها الأكبر أيمن الذي تواصلنا معه عبر الهاتف، على أن هناك احتمالاً لتعرضها للقتل. ولذلك، سيحضر إلى لبنان في اليومين المقبلين لمتابعة القضية قانونياً والتقدّم بشكوى ضد صهره، رافضاً ما يتداوله الناس وما أفضت إليه بشكل مبدئي تحقيقات القوى الأمنية بأنها أقدمت على الانتحار بإرادتها. وتصرّ العائلة على وجود دافع استثنائي استجد لتصل بثينة إلى هذا المصير لأنها «لطالما ذاقت الأمرين مع زوجها من عنف وسوء معاملة جسدية ومعنوية ولم تقتل نفسها». تذكران أنها منذ اكتشفت العلاقة التي تربط زوجها بطليقة شقيقها صارت تتناول أدوية أعصاب وحاولت الانتحار أكثر من مرة عبر تناول الأدوية «لكي تلفت نظره لكن ما فرقت معو» تقول خلود. قبل أسبوع من وفاتها، قام الزوج بتطليق بثينة وطردها من المنزل. لجأت إلى بيت خلود وحاولت الاستعانة بعائلته وبرجلي دين لثنيه عن قراره بالزواج من طليقة شقيقها. عائلته نصحتها بالعودة إلى منزلها. أما رجلا الدين فلفتا نظرها إلى أن الشرع يسمح له بالزواج من أربع. تقبلت بثينة بحسب شقيقتها أمر الشرع، لكنها اشترطت «أن يتزوج أي امرأة في العالم، إلا طليقة شقيقها».
عائلة ربيع تلتزم الصمت رافضة مزاعم أسرة بثينة. أما هو فلا يزال في أحد مستشفيات صور بسبب الحروق، وكسور ناجمة عن حادث سير تعرّضت له سيارة الإسعاف التي كانت تقلّه. أما وضعه القانوني فرهن التحقيق بما أن محضر الحادثة في فصيلة جويا لا يزال مفتوحاً. ووفق المعطيات المتوافرة، استبعدت القوى الأمنية أن يكون الزوج هو من قام بإحراق زوجته مرجحة أن تكون بثينة قد أقدمت على الانتحار.

اكتئاب شديد

في محاولة لتفسير الحالة التي وصلت إليها بثينة، يرجّح أستاذ علم الاجتماع الدكتور طلال عتريسي أن تكون بثينة تعاني من اكتئاب لأنه «عندما يتفاقم يدفع الانسان الى التفكير بالانتحار من دون أي اعتبار لأي تداعيات على من يبقى حياً مثل الاولاد أو الأهل». ويرى أن «يأس بثينة هو من عجزها عن مواجهة الواقع وتغييره أو التكيف معه. والانتحار على الرغم من قسوته على المستوى الإنساني لا يقتصر على عقاب الذات فقط بل هو بشكل واع أو لا واع عقاب للآخر الذي هو الزوج لكي يشعر بأنه هو المسؤول عن عملية الانتحار، وقد يكون عقاباً للمجتمع الذي لم يتضامن معها ويقف إلى جانبها ضد زوجها».
وفي حين يرى عتريسي أن ما قامت به بثينة يمكن تفسيره، لفت إلى عدم تقبّله اجتماعياً. «هناك من يتعاطف معها من جانب انساني وعاطفي، وهذا ما أرادت ان تحصل عليه من خلال الانتحار لأنها لم تحصل عليه وهي حية. أما من يرفض ما فعلة بثينة ويدينها فهو يرى الأمور من المنظار الاجتماعي والاسري. وهؤلاء يعتبرون ان بثينة خسرت كل شئ ولم تربح شيئاً، وتركت أولادها في مهب الريح وانتقمت لنفسها بقتل نفسها».
ورداً على سؤال عن وضع المرأة النفسي التي يقرّر زوجها الزواج من أخرى، يقول عتريسي: «هذا الأمر له علاقة بالبيئة الثقافية التي تعيش فيها هذه المرأة. فإذا كانت اي امرأة على المستوى النفسي ترفض من حيث المبدأ وجود امرأة اخرى في حياة زوجها الذي تشعر بأنها ملكية خاصة لها وحدها، يساعدها الواقع الاجتماعي والثقافي كثيراً في التخفيف من حدة هذا الرفض. نذكر مثالاً بعض المجتمعات العربية والاسلامية التي لا تزال تقبل الزواج الثاني من دون أي تعقيدات مثل السودان ودول الخليج وصعيد مصر واليمن وغيرها. أي أن المرأة لن تجد حرجاً اجتماعياً في البيئة التي تعيش فيها، ولن يشكل لها أي أزمة نفسية، خلافاً لنموذج اجتماعي آخر مثل المجتمع اللبناني حيث تنتشر ثقافة الزوجة الواحدة. ما يجعل أي مشروع للزواج بأمراة اخرى تهديداً لوجود الزوجة معنوياً وثقافياً واجتماعياً. وفي مثل هذه الحالة تشعر المرأة بأنها باتت غير مرغوبة وهذا شعور قاس ويشارك المجتمع بشكل كبير في تعزيزه، ولذا تتفاوت ردود الفعل بين من تلجأ الى الرفض وطلب الطلاق، وبين من تحاول عبر الوسطاء عدم تحقيق هذا الزواج، وبين من تنسحب الى زوايا الاكتئاب، أو ترضخ حرصاً على الاولاد على أمل التعود على الواقع الجديد، أو تغيّر هذا الواقع».