يمتحن الرئيس المكلف تمّام سلام من اليوم إجماع الكتل والنواب المستقلين، ومن ورائهم قوى 8 و14 آذار والوسطيين، على تكليفهم إياه تأليف حكومته الأولى. سادسة حكومات الانتخابات النيابية عرفها اللبنانيون منذ الاستقلال: أولاها حكومة الرئيس حسين العويني عام 1951 بوزرائها الثلاثة، وثانيتها حكومة والده الرئيس صائب سلام عام 1953 بوزرائها الثمانية، وثالثتها حكومة الرئيس أحمد الداعوق عام 1960 بوزرائها الثمانية، ورابعتها حكومة العويني عام 1964 بوزرائها العشرة. وخامستها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2005 بوزرائها الـ14. حكومتا انتخابات عبرتا في عهد الرئيس فؤاد شهاب. شهران لحكومة 1964، وثلاثة أشهر لحكومتي 1960 و2005، وأربعة أشهر لحكومتي 1951 و1953. ولأن لبنان خبر حكومات انتخابات نيابية نجحت في مهمتها، يأمل سلام أن تكون حكومة الانتخابات التي يرأس على صورة الإجماع على تكليفه، ووزراؤها على صورته هو على رأسها.
للرئيس المكلف، شأن الكتل النيابية والنواب المستقلين، مواصفاته هو الآخر لحكومته، إلا أنه لا يستعجل الإفصاح عنها: «تفاصيل تأليف الحكومة مرتبطة بالاستشارات النيابية التي سأجريها قبل أن أحسم أمر التأليف. لكنني أعتبر أن للإجماع على التكليف هدفاً هو اجتياز مرحلة قمّتها إجراء الانتخابات النيابية. كما نجحت من قبل حكومات انتخابات اقتصرت مهمتها على هذا الهدف، سيكون هو أيضاً المهمة الوحيدة لحكومتي. حينما سئلت كيف أتخلى عن مقعدي النيابي في بيروت، وهو مقعد عزيز علي ويجعلني على تواصل مع أبناء منطقتي وأهلي، قلت إنني وضعت في الميزان أحد خيارين: الإشراف على الانتخابات النيابية وعلى 128 مقعداً كي أنقذ بلدي من مأزق محتوم، أو التفكير في مقعد واحد هو مقعدي في بيروت. انحزت الى الخيار الأول. انسجاماً مع ذلك، إذا أردنا فعلاً إجراء انتخابات فإن الحلّ الأمثل هو في حكومة انتخابات لا أحد من أعضائها، رئيساً ووزراء، مرشحاً للانتخابات. وهي المقاربة الفضلى في هذه المرحلة. في الماضي أمكن العثور على وزراء غير مرشحين للانتخابات، وفي وسعنا الآن تكرار المحاولة. أما إذا أسرفنا في الخوض في جدل واستيزار سياسيين بلا نتيجة لأشهر طويلة، نكون بذلك نهدر الوقت والمهل والانتخابات نفسها، وتالياً الفرصة المتاحة».
يلاحظ سلام أن التركيز على مواصفات كهذه «يحتم أن يصار الى تأليف الحكومة سريعاً وجبه الاستحقاق المعلق. بالتأكيد لدى البعض هواجس من إمكان تعثر إجراء الانتخابات، وربما تطلّب الأمر تمديداً لمجلس النواب سنة أو اثنتين. عندئذ أترك الخيار للأفرقاء كي يأتوا بحكومة سياسية. تمّت تسميتي وتكليفي من أجل استحقاق الانتخابات وليس تجاهلها وتعطيلها، ولا من أجل حكومة سياسية».
يضيف: «إذا شعرت بعرقلة متعمّدة في التأليف، فلن أبقى على رأس الحكومة. لا أطلب منصباً، بل أسعى الى إخراج البلاد من مأزق. عندما يقولون لي إنهم لا يريدون الانتخابات، أعيد الامانة إلى أصحابها من أجل تطمين أصحاب الهواجس إلى أنني لا أتمسك بالسلطة، بل بالخيار الذي وضعني على رأس الحكومة الجديدة، وهو إجراء الانتخابات النيابية. ليذهبوا بعد ذاك الى خيارات مختلفة ومنها حكومة سياسية. لست وحدي مَن يحمل وزر الاجماع، بل أيضاً الأفرقاء الذين وفّروه، وهم شركائي في تحمّل عبئه من أجل إنجاز الاستحقاق الذي يصرّون على إجرائه وحماية الديموقراطية وتداول السلطة. لست ساحراً ولا صاحب معجزات، ولم يقع الاختيار عليّ إلا من أجل تفويت الفرصة على انهيار البلد وإدخاله في المجهول والفراغ. أنا أدعوهم جميعاً إلى قرن الإجماع على التكليف بإجماع على التأليف».
وهل يخبئ بتفاؤله ضمانات دولية وإقليمية لإنجاح مهمته في التأليف وإجراء الانتخابات، يقول سلام: «من أين جاء هذا الكلام؟ لا ضمان عندي من أي أحد على الإطلاق. نعم لدي مناخ يقتضي أن نجعله جميعاً ضماناً حقيقياً للإنقاذ. وذلك يعني أن علينا الاستفادة من هذا المناخ. عندما يبرق الملك السعودي وولي العهد الى رئيس مكلف ولم يكن قد انقضى يومان، وعندما يحضر السفير الروسي وينقل إليّ دعماً كاملاً من حكومته لإجراء الاستحقاق وضمان الاستقرار، ويحضر السفير الإيراني للغاية نفسها، وكذلك موفد الأمين العام للأمم المتحدة، ويصدر عن فرنسا موقف تأييد للرئيس المكلف، وعندما يتصل بي وزير الخارجية التركي وينقل باسم رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة تأييداً كاملاً. ما تراه يكون ذلك كله وأنا لمّا أزل رئيساً مكلفاً ولم يصر بعد الى تأليف الحكومة؟ ألا يعكس ذلك مناخاً دولياً وإقليمياً ينبغي الاستفادة منه وقرنه بالمناخ الشعبي كما أبصر الجميع وأحدث انفراجاً كبيراً في البلد كله من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب؟ هل ثمة مَن يتحمّل خطورة عرقلة هذا الاندفاع».
يراهن الرئيس المكلف على «إشارات إيجابية تجعل التأليف على صورة التكليف. حصلت على 124 صوتاً في ذروة الشرخ والانقسام الوطني. في ما مضى حصل الرئيس فؤاد السنيورة على رقم أعلى هو 126 صوتاً، لكنه كان ثمرة اتفاق الدوحة بأبعاده الإقليمية والدولية. نحن اليوم في القعر، والأصوات الـ124 لتكليفي انتشلت الوضع القائم من القعر إلى أعلى».
وهل يتوقع عقبات في طريق التكليف كالبيان الوزاري وبعض المواقف السياسية المتشعّبة والمتناقضة الاتجاه كسلاح حزب الله وأحداث سوريا، يقول: «لا عقبات سياسية أمام حكومة انتخابات، بل عقبات تتصل بإجراء الانتخابات. هناك آلية لإجرائها تحتاج الى عناية ومتابعة والسهر على تطبيقها. هناك ملفات أخرى سوى الانتخابات تنتظرها كآثار ما يحصل في سوريا ومشكلة النازحين السوريين وتحريك المساعدات الدولية لنا لاستيعاب تداعياتها، والموازنة، وسلسلة الرتب والرواتب، وكذلك المحافظة على الوضع الأمني وتثبيت الاستقرار. موجبات سياسية ملزمة للحكومة لا تستطيع تجاهلها أو التغاضي عنها، لكنها ستكون حكومة انتخابات أولاً وأخيراً. ما أريده حكومة غير خاضعة لمزاج القوى السياسية، بل محرّرة من قيود هذه المزاجية. عندما يشعرون بأنهم لا يريدون لها البقاء ترحل».
ويكشف سلام أنه تلقّى عبر موفد تهنئة شخصية من الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله تمنى له فيها «التوفيق والقيام بما يقتضي القيام به لحماية هذا البلد من دون الخوض في التفاصيل».
وهل يعدّ نفسه وسطياً جديداً في وسعه الاضطلاع بدور يخفف وطأة التجاذب والانقسام بين قوى 8 و14 آذار، يقول: «تلك مهمة أخرى. أنا في مهمة حكومة انتخابات ستكون في منأى عن الانحياز إلى أي طرف أو التحزّب إليه كي لا تفقد شفافيتها. أنا معتدل محرَّر. أفضل الكلام عن فرصة جديدة للنهوض بالبلاد أكثر منه عن وسطية جديدة. لا أحد وضع عليّ شرطاً قبل التكليف، ولم يُطلب مني أي أمر. أبلغ إليّ الذين رشحوني بعد ظهر الاربعاء قرارهم بالتكليف. في المساء اتصل بي الأستاذ وليد جنبلاط وأعلمني بالقرار. وُضعت ترتيبات زيارتي سريعاً الى السعودية واقتصر لقائي هناك في اليوم التالي على الرئيس سعد الحريري، وأطلعني على هذه الخطوة. بعد ذلك اجتمعت قوى 14 آذار وأعلنت ترشيحها إياي، ومن ثم كرّت السبحة».
وهل يتبنى مشروع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي لقانون الانتخاب الذي يعتمد النسبية، يقول الرئيس المكلف: «يتعلق الأمر بتوافق القوى السياسية. ما تتوافق عليه أنفّذه، وأعتقد أن هذا التوافق لم يعد بعيداً، وهو حول القانون المختلط بعد أن يتفق على تقسيم الدوائر ونسب التصويتين الأكثري والنسبي».