دأبت الغرفة التاسعة لمحكمة التمييز الناظرة استئنافاً في دعاوى المطبوعات برئاسة القاضي أنطوان ضاهر، على إصدار قرارات لمس فيها عدد من المحامين أخطاءً جسيمة في نتائجها لناحية اعتبارها محكمة المطبوعات في بيروت جهة غير صالحة لبتّ دعاوى ضدّ مطبوعات أو مواقع إلكترونية تتخذ من منطقة جبل لبنان مقرّاً وعنواناً لها.
بمعنى آخر، من وجهة نظر محكمة التمييز، لا صلاحية لمحكمة مكان التقاط البثّ. فالصلاحية هي لمركز المطبوعة أو مقرّ الوسيلة الإعلامية. وبالتالي، يجب ردّ هذه الدعاوى لانتفاء الصلاحية المكانية، مثلما حصل في الدعاوى الأربع للواء جميل السيّد، ضد الموقع الإلكتروني التابع لحزب «القوّات اللبنانية» وأنطوان أبي نجم، وأديب نصر، وشركة LITS sarl (Lebanese information technology services)، والموقع الإلكتروني لحزب الاتحاد السرياني ورئيسه إبراهيم مراد، بجرائم القدح والذمّ بواسطة النشر.
واللافت للنظر أنّ محكمة التمييز خالفت ما استقرّ عليه اجتهاد محكمة الاستئناف الناظرة في قضايا المطبوعات. فمحكمة الاستئناف اعتبرت نفسها صالحة للنظر في هذه الدعاوى انطلاقاً من اعتماد معيار المكان الذي يمكن الدخول منه إلى الموقع الإلكتروني، أساساً للصلاحية.
وفي ظلّ التطوّر التكنولوجي والانتشار الكثيف للمواقع الإلكترونية، صار بالإمكان الدخول إليها في أيّة بقعة في العالم، وبالتالي بات يجب على القانون أن يرافق هذا النهوض، لا أن يبقى جامداً كما لو أنّ المطبوعة ورقية فقط.
وهذا ما دفع وكيل السيّد المحامي أكرم عازوري إلى تقديم دعوى مسؤولية عن أعمال القضاة بوجه الدولة اللبنانية ممثّلة بهيئة القضايا في وزارة العدل طعناً بقرار محكمة التمييز المذكورة. واعتبر أن المحكمة اقترفت خطأً قضائياً جسيماً وخالفت النصوص القانونية الآمرة في قانون العقوبات، وقانون أصول المحاكمات الجزائية التي تحدّد الصلاحية المكانية لمحكمة المطبوعات.
وطالب عازوري بإبطال قرارات محكمة التمييز الناظرة استئنافاً في قضايا المطبوعات، واعتبار الدولة اللبنانية مسؤولة عن الخطأ الجسيم الذي ارتكبه قضاتها، وهذا النوع من الدعاوى يدخل ضمن اختصاص الهيئة العامة لمحكمة التمييز.
لكن الهيئة المؤلفة من الرئيس الأول لمحكمة التمييز ورؤساء الغرف فيها رفضت النظر في طعن عازوري، معتبرة أنّ الخطأ الذي ارتكبه قضاتها لا يرقى إلى مستوى الخطأ الجسيم الذي يبرّر قبول المراجعة.
ورأت الهيئة أن ما ذهبت إليه محكمة التمييز «لا يمكن بأيّ حال، اعتباره من قبيل الخطأ الجسيم الذي يؤدّي إلى إبطاله، فهو بمعزل عن صوابيته يعتبر من قبيل الرأي الاجتهادي القانوني الذي يعود للمحكمة الواضعة يدها على الدعوى اعتماده خصوصاً في ضوء عدم وضوح النصوص القانونية التي ترعى الموضوع».
ولمّا سدّت الهيئة العامة أفق التغيير بوجه مريديه، كانت محكمة التمييز الجزائية في باريس، تعطي اللواء الركن جميل السيّد الحقّ في ملاحقة مدير الاستخبارات الأسبق العقيد المتقاعد جوني عبدو أمام القضاء الفرنسي على خلفية مقابلة نشرتها مجلّة «الصيّاد» اللبنانية في شهر تشرين الأوّل من عام 2008، تعرّض له فيها بجرمي القدح والذمّ بالاستناد إلى شهود الزور الذين سبّبوا اعتقاله تعسفاً.
وأكّدت محكمة التمييز الفرنسية أنّ القاعدة القانونية المطبّقة عالمياً هي أنّ كلّ محكمة جزائية في أيّ مكان في العالم توزّع مطبوعة تتناول بالقدح والذمّ أحد الأشخاص، هي المحكمة الجزائية الصالحة مكانياً للنظر في دعوى القدح والذمّ التي يقدّمها المتضرّر.
والقاعدة نفسها تطبّق بالنسبة إلى البثّ التلفزيوني الفضائي والبثّ الإذاعي. وهذه القاعدة تطبّق أيضاً في لبنان وفقاً للاجتهاد المستقرّ والجامع. إلّا أنّ محكمة التمييز الجزائية الناظرة استئنافاً في قضايا المطبوعات خالفت هذه القاعدة اللبنانية والعالمية التي لا يمكن إلا الركون إليها كماركة مسجّلة، وخصوصاً أنّ الهدف المرتجى هو إحقاق الحقّ.
واستهجن قانونيون خطوة الهيئة العامة لمحكمة التمييز، معتبرين أن هذه النتيجة غير مقبولة؛ لكونها تشكّل تنازلاً عن السيادة الوطنية في التقاضي، وتنازلاً عن واجب الدولة في حماية مواطنيها.