صحيح أن جمال دبوز ليس الأول ممن لمع نجمهم في فن «الوان مان شو» خلال الفترة الأخيرة، فقد سبقه الفنان محمد فلاق، ثم الفكاهي اسماعيل. لكن اجتهاد دبوز في استحضار التجارب الفنية لنجوم «الوان مان شو» في فرنسا ككولوش، وتيري لولورون، بطريقته الفريدة، وخوضه غمار الإنتاج السينمائي بعد تألقه كممثل في العديد من الأفلام، واهتمامه بالسياسة جعلته أكثر حضوراً في المشهد الفني الفرنسي.في فرنسا التي عرفت خلال سيطرة التيار اليميني على الحكم، تصاعدت موجة العداء تجاه المهاجرين، وبلغت ذروتها خلال حكم نيكولا ساركوزي (2007-2012), حاول الكثير من الفنانين المحسوبين على اليسار، لفت الانتباه إلى معاناة المهاجرين وتصحيح صورتهم لدى الرأي العام بعدما ظلت حبيسة الأحكام المسبقة كربطها بظاهرة الفشل الاجتماعي، العنف، والإرهاب. حينها كان جمال دبوز وأقرانه من أسر مغاربية مهاجرة يعرون واقع هؤلاء الفرنسيين الذي صنفوا في الدرجة الثانية، أبرزهم سكان الضواحي. كان جمال نموذجا لإمكانية اندماج أبناء المغتربين في المجتمع الأوروبي وقدرتهم على النجاح وتحقيق التميز داخله، بعدما تفاقمت خلال العقدين الأخيرين إشكالية الصراع والتصادم بين الجيل الثالث من أبناء المهاجرين والفرنسيين من أصول أوروبية داخل المجتمع الفرنسي نفسه، غذاه تفشي ظاهرة التمييز العنصري وتمزّق الهوية وجراح الذاكرة بالنسبة للمغاربة المولودين في فرنسا بسبب إفرازات التاريخ الاستعماري. كل ذلك حال دون إمكانية اندماجهم بشكل كاف داخل المجتمع الأوروبي. لذا كان من البديهي أن تكون هذه الإشكالية هي الموضوع الرئيسي لأعمال فنانين فرنسيين من ذوي أصول مهاجرة، اعتمدوا على إسقاط واقع أبناء الجالية بطريقة كاركاتورية ساخرة لتبليغ رسائلهم لباقي المجتمع الفرنسي خاصة للسياسيين. يقول الخبير في السياسة الثقافية عمار كساب (فرنسا) لـ «الأخبار»: «يحقق جمال كل يوم المزيد من النجاحات في فرنسا رغم العراقيل التي قد تطاله كونه قادماً من أبناء الضواحي، لكنه يعبر عنهم عبر الحضور في وسائل الإعلام الفرنسية وإعطاء صورة أحسن من تلك التي تريد ترسيخها بعض القنوات في عقول الفرنسيين خصوصاً لأولئك المتواجدين في الريف، فالفرنسيون المقيمون خارج المدن الكبرى الذين لا يعرفون المهاجرين هم المستهدفون من قبل الأحزاب اليمينية لكسب أصواتهم خلال الانتخابات الرئاسية، من خلال التأثير عليهم لمعاداة المهاجرين، فمحاربة هؤلاء والمطالبة بترحيلهم هو ما يتصدر برنامجهم السياسي».
يقول الإعلامي الجزائري الفرنسي محمد الزاوي لـ «الأخبار»: إن «سر نجاح جمال دبوز هو حسه النقدي الذي يمتاز بالدعابة والسخرية، يحاول في أعماله الكوميدية تلطيف يوميات المهاجر التي تتميز بالبؤس، الحرمان، الإغتراب ومشاكل الهوية، فدبوز يعتمد في مسرحياته على لغة بسيطة وغنية بمفردات يستخدمها شباب الضواحي، هو ذكي في استحضار عوالمهم، يقدم مشاكلهم وأحلامهم المستعصية بطريقة طريفة، كل ذلك جعل له مدرسة فنية خاصة به». أصبح جمال دبوز من أكثر الممثلين شهرة في بلاد «الإخوة لوميير». ولا يختلف اثنان أن احتكاكه مع نجم السينما الفرنسية جيرار دوبارديو الذي شارك إلى جانبه في فيلم Astérix et Obélix : Mission Cléopâtre فتح له أبواب الفن السابع الفرنسي على مصراعيها.
وتكاد كل التجارب السينمائية التي خاضها جمال أن تكون ناجحة، فقد حققت معظم أفلامه رواجاً جماهيرياً. على الرغم من ذلك بقي جمال وفياً للـ «وان مان شو».