لم يمضِ اللبنانيون، أمس، صباح أحد مشمس عادي على كورنيش عين المريسة، بل ذهبوا إلى منازلهم ولديهم بالتأكيد شيء ليتحدثوا عنه. فأقلّ ما يقال، أنّ مسيرة العمّال الأجانب، احتفالاً بعيد العمّال، اقتحمت يومياتهم وأدهشتهم. العمّال الأجانب نظّموا الاحتفال بيوم العيد مع خمس جمعيات مدنيّة لبنانية هي: «كفى عنف واستغلال»، «مؤسسة إنسان»، «حركة مناهضة العنصريّة»، «كاريتاس لبنان مركز الأجانب» و «مؤسسة عامل»، فبدأوا نهارهم بمسيرة، من عين المريسة إلى حديقة الصنائع، حيث أنهوا الاحتفال بوليمة من أكلاتهم التقليديّة ومزيد من الرقص والفرح، إضافة إلى عرض مسرحي.
من أجل هذا اليوم، ارتدى عدد كبير من العاملات الأجنبيات ملابس بلادهن التقليديّة، غنّين وقرع الرجال الطبول دعماً لقضيّتهم: إلغاء نظام الكفالة الخاص بعاملات المنازل المهاجرات. المسيرة جاءت استكمالاً لحملة «في شي غلط... بنظام الكفالة الخاص بعاملات المنازل المهاجرات»، التي تطالب باستبدال نظام الكفالة بآخر يقوم على علاقة عمل سويّة تضمن حقوق الطرفين، عاملة المنزل وصاحب العمل، ويتلاءم مع مبادئ حقوق الإنسان.
المسيرة بين اللبنانيين، بالتحديد على الكورنيش المكتظّ، ثم الوليمة في حديقة الصنائع تهدف إلى كسر الصورة النمطيّة عن العامل الأجنبي في لبنان، لكن تغيير هذه الصورة لن يكون بمثابة نزهة على الكورنيش. فالشبّان الذين قصدوا عين المريسة أمس، للتمتّع بالشمس والسباحة بدوا مذهولين بالمسيرة. وقفوا جميعاً على الكورنيش أو على الصخور في الأسفل يراقبون المارّين، ويصوّرون ما يحصل أمامهم بهواتفهم المحمولة، لكنهم لم يتوقّفوا عند هذا الحدّ، بل إنّ بعضهم لم يتوانَ عن الاندساس بين المتظاهرين للـ «زناخة» كما يقولون. فراحوا يطلبون التقاط الصور مع العمّال الأجانب تارة، ويصيحون ببعض الألفاظ النابية تارة أخرى أو يواظبون على الصراخ في ما يعتقدون أنّه محاولة لتقليد الأغاني التي أنشدها المتظاهرون، حتى قرّر نهاية أحد عناصر الدرك طردهم من بين المتظاهرين. العائلات وكل من كان على الكورنيش بهدف القيام بالرياضة الصباحية أو السباحة، وقفّوا صفاً واحداً يتفرّجون ويصوّرون بهواتفهم المحمولة المشهد، حتى إنّه ربما لو لم يكن يوم الأحد يجعل الشوارع في بيروت شبه خالية، لكان للأمر بعض النتائج الكارثيّة، بما أنّ سائقي السيارات المارّة إلى جانب المسيرة، وجميع الركّاب معهم، صوّبوا أنظارهم نحو المسيرة وكأنّهم يشاهدون إحدى عجائب الدنيا.
كل هذا الاندهاش، ولم يقترب أحد ليسأل عن الغاية من المسيرة. أحد المارة على الكورنيش قال إنّه قرأ إحدى اللافتات وهي تقول «عاملات الخدمة المنزليّة لسن عبدات». من هنا فهِم أنّ المسيرة ضدّ استعباد العاملات الأجنبيات، لكنه سرعان ما تساءل من بعدها: «إذا لم يكُنّ عبدات، فلمَ نستقدمهن إلى منازلنا إذاً؟»! يضيف الشاب أنّه «لا يمتلك واحدة في منزله، لكن من لديهم خادمة فإنهم بالطبع يمتلكونها». هل نحن في سوق النخاسة؟! إحدى العاملات الأجنبيات (ترفض أن تذكر اسمها) من بنين الأفريقيّة، تقول «فقط لأننا ننظّف المنازل ونمسح الأرضيات، فإنّ هذا لا يعني أنّه يجب أن يُقلل من احترامنا، لكن المشكلة هنا، أنّه ليس ربّ العمل فقط من يقلّل من احترامنا، بل هي عمليّة تفريق عنصريّة يمارسها حتى الأطفال في حقّنا. لأقوم بأي شيء هنا، عليّ أن أحصل على إذن ربّة المنزل. إن كنت أريد أن أدخل الحمام أو أتناول طعامي أو الخروج، فعليّ دائماً أن أحصل على إذنها. ثم يتذمّرون لأنّ العاملة هربت من المنزل». وتضيف المرأة البينينيّة، «نسبة المغتربين اللبنانيين أيضاً كبيرة، لكن هل تعاملهم الشعوب التي تحتضنهم بهذه الطريقة؟».
خلال المسيرة ردّد العمّال شعاراتهم الخاصة، بلغاتهم، وأنشدوا أغانيهم ورقصوا على أنغامها، لكن بعيداً عن المسيرة، ولقاءات العاملات الفيليبينيات في يوم العطلة في بعض مقاهي ومطاعم الحمرا، كانت إحدى العاملات الفيليبينيات على بعد أمتار قليلة من مواطناتها تمارس عملها على نحو طبيعي يوم الأحد. إحدى السيدات ترمي في أحضانها ابنتها التي تصرخ باكية في الشارع، بينما تتوجّه هي إلى إحدى واجهات المحالّ. خلال المهرجان لم تنسَ المهاجرات زميلاتهنّ اللواتي لم يتمكنّ من المشاركة، «ليس لأنهنّ لم يردن ذلك، بل لأنّ ثمّة نظاماً يسمح بحرمانهنّ مغادرة المنزل والتمتّع بيوم عطلة».
كالعديد من القضايا الأخرى ربما لا يجوز هنا أن ننتظر تغيّر المجتمع حتى تتغيّر القوانين، بل بعيداً عن الرأي العام والعصبيّات والعنصريّة، يجب أن يأخذ القانون الخطوة العقلانيّة الأولى حتى يرسي قواعد التعامل الصحيحة بين العامل الأجنبي وصاحب العمل. هكذا يفرض علاقة عادلة ومنصفة للطرفين، العامل الأجنبي وربّ العمل، إذ تطالب حملة «في شي غلط... بنظام الكفالة الخاص بعاملات المنازل المهاجرات» الحكومة بإعطاء عاملات المنازل حقوقهنّ العمّالية، وخاصة حقّهن في التمتع بيوم عطلة خارج المنزل، وساعات راحة محدّدة خلال النهار، وفي إنهاء عقد العمل والانتقال إلى صاحب عمل آخر كباقي العمّال في لبنان. كذلك تطالب الحملة بإعفاء صاحب العمل من المسؤولية القانونيّة اتجاه العاملة، ومراجعة الآليات المعتمدة لاستقدام عاملات المنازل المهاجرات وتشديد المراقبة عليهن، وخفض تكاليف الاستخدام.