بصمت مريب قوبل اتهام الوزير جبران باسيل «لمسؤول سياسي في الجبل» بالتورط في عملية إطلاق صاروخين أو أكثر من منطقة عيتات على الشياح يوم الأحد الماضي. سكوت مطبق التزمه المسؤولون السياسيون والأمنيون والقضائيون جميعاً. ولم يكسره تحدي الوزير المسؤول بقوله إن أكثر من جهة في الدولة تعرف أسماء المتورطين، و«المسؤول السياسي» الذي ذهبوا إليه، والمركبات التي استخدموها وأرقامها وكل تفاصيل الجريمة.
أوساط سياسية متابعة للملف تؤكد أن ما حصل أكثر من فضيحة، كما أن أبعادها تتخطى الحادثة المحدودة. ولفهم حقيقة ما حصل، تكتفي بسرد المعطيات الآتية:
أولاً، نعم، ثمة معلومات تفصيلية بالوقائع والأسماء عن حادثة إطلاق الصواريخ. لا بل إن التقارير التي اطّلع عليها المسؤولون تشير بالفعل إلى أسماء المشتبه فيهم، كما تشير إلى مكان المخزن الذي يعتقد أنهم جاءوا منه بالصواريخ، وإلى أن عددها كان ثمانية، وليس فقط الاثنان اللذان انفجرا على أطراف الضاحية الجنوبية، ولا الثالث الذي قيل إنه سقط في منطقة حرجية ولم ينفجر. وتضيف الأوساط نفسها أن التقارير المذكورة تحدد مسؤولاً سياسياً على أنه على علاقة بالمشتبه فيهم، كما تحدد مكان لقاء هؤلاء ونقطة إطلاقهم الصواريخ، بعد تعريضها للهواء فترة زمنية كافية لتجفيفها من رطوبة التخزين، وتؤكد أيضاً أن مكان الإطلاق هو نفسه المكان الذي كان يستخدم طيلة سنوات الحرب الأهلية لقصف مناطق عدة مواجهة...
ثانياً، تؤكد الأوساط السياسية نفسها أن هذه الواقعة لا يمكن عزلها عن سلسلة طويلة من الأحداث السابقة، بما يعزز فرضية انخراط جهة سياسية حزبية محددة في الجبل، في المعركة الأمنية والعسكرية والسياسية ضد السلطات السورية، وضد حلفائها في بيروت، وخصوصاً في ضاحية بيروت الجنوبية. فإطلاق الصواريخ لا يمكن فصله، على سبيل المثال، عن حادثة إلقاء الجيش اللبناني القبض على مجموعة أشخاص في عين زحلتا متهمين بتهريب أسلحة لمصلحة «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم «القاعدة» في سوريا، وذلك في 7 نيسان الماضي، علماً بأن بيان الجيش أكد إلقاء القبض على المتهمين «بالجرم المشهود أثناء قيامهم بعملية التسلم والتسليم». وقد حصل تبادل إطلاق نار أدى إلى مقتل أحد المسلحين ويدعى غسان الزعر وإصابة آخر يدعى محمد سرحان، وتوقيف سبعة آخرين.
ثالثاً، تشير الأوساط السياسية نفسها إلى أن الموقع الذي أطلقت منه الصواريخ محاذ جغرافياً لمنطقة وجود مجموعات أصولية متشددة، من داخل الجماعة السياسية الطاغية في الجبل، ومنها مجموعة علام ناصر الدين الذي كان قد سقط في 11 أيار 2008 في الشويفات أثناء الاشتباكات التي تلت أحداث 7 أيار الشهيرة، بين المسلحين الجنبلاطيين وحزب الله، ومنها كذلك مجموعة علي زين الدين التي قيل إنها تلاحمت مع الأولى تحت لواء «الأصولية الدرزية» وتيار الداعي عمار بعد تلك الأحداث، علماً بأن نطاق نشاط هؤلاء قريب جداً من موقع إطلاق الصواريخ.
رابعاً، لا تكتفي الأوساط السياسية نفسها بهذه المعطيات، بل تذهب أبعد لتشير إلى أن الصوايخ قد أطلقت بعيد الساعة السابعة صباح الأحد الماضي، فيما كان لافتاً أن المسؤول السياسي الذي تشير إليه التقارير التزم بصمت ضاج صاخب حيال الحادثة، حتى ما يقارب التاسعة ليلاً.
خامساً، تذكر الأوساط نفسها أن نقطة إطلاق الصواريخ تقع فعلياً ضمن مربع أمني يمتد على مساحة «مقاطعة الجبل» بكاملها. وهو مربع خاضع لمراقبة أمنية حزبية دائمة، تضبط حركة كل شخص ومركبة فيه. وتسوق على ذلك دليلاً كيف أنه في 19 تشرين الثاني الماضي كانت ثلاث سيارات تعبر منطقة الشوف من جهة «بوابة» باتر، لكن مسؤولي المربع الأمني في الجبل رصدوا فوراً أنها «غريبة»، فتم اعتراضها في بقعاتا. والأمر نفسه يمكن أي مواطن أن يختبره، بمجرد إيقاف سيارته دقائق قليلة إلى جانب الطريق في أي نقطة على امتداد المربع. وفي المقابل، كيف لثمانية صواريخ، أو ثلاثة أو اثنين فقط، أن يتنقلا في المنطقة سراً؟
سادساً، لا تستبعد الأوساط نفسها أن يكون ما حصل مجرد حلقة في سلسلة طويلة هي عنوان للحرب المفتوحة من قبل أحدهم ضد الحكم في دمشق وحلفائه؛ من استقدام شبلي العيسمي ومن ثم اختفائه أو إخفائه، مروراً بالعمل الأمني الاستخباري في تموز الماضي على اللواء في الجيش السوري فرج شحادة المقت من منطقة السويداء لدفعه إلى الانشقاق الإعلامي، وصولاً إلى التورط في «عمل» مماثل في آذار الماضي مع العميد في الجيش السوري خالد الحلبي، من السويداء أيضاً، والذي «أمّن» دخول مسلحي المعارضة السورية إلى مدينة الرقة.
إنها الحرب المفتوحة والشاملة، تقول الأوساط نفسها. مع فارق أن أحدهم يأخذها هذه المرة إلى نقطة اللاعودة.