هناك، في المكان الذي طوت ذاكرته «سوليدير»، صار المطلب مطلبين. لم تعد لافتة «stop solidere» التي تخبئ وجه فندق السان جورج منذ زمن، مجرد لافتة عملاقة بكلماتٍ صارت بلا صدى. ثمة ما تغيّر. فمنذ أيام قليلة، ينتبه العابرون لكلمة «discrimination» (مناهضة التمييز) التي أضيفت حديثاً أسفل الشعار الأساس.
تنبه هؤلاء فجأة إلى أن هذه الـ«stop» التي ولدت سابقاً في مواجهة ممارسات سوليدير التمييزية، يمكنها أن تحمل المعنى الكامل. اختلفت مشاعرهم باختلاف اهتمامهم بما يحمله ذلك التفصيل المضاف، فمنهم من هلل ومنهم من استغرب وآخرون عبروا، وكأن شيئاً لم يكن.
وحدها، ستعرف بأن شيئاً أساسياً تغيّر. «راحل»، تلك الفتاة التي بلون سمرة البحر، ستمر من هناك ذات يوم، وستقرأ تلك العبارة وما كتب «للتوكيد» كاعلان واضح للزبائن عند باب المسبح: لا تمييز يكون مبرره العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل القومي أو الثروة... هذه الفتاة هي نفسها التي «طردت» بطريقة غير لائقة العام الماضي من المسبح ذاته، بسبب لونها.
المهم الآن هو ما حدث فعلاً هنا، بغض النظر عن المكان، سواء أكان اسمه السان جورج أم أي اسم آخر. فرفع الشعار هو بحد ذاته «مكسب كبير ونموذج يصلح للتعميم في مسابح أخرى»، يقول المحامي نزار صاغية. هو مكسب معنوي، تمثّل بدعمٍ لم يكن ليحصل في مثل هذه الحالات. كان يكفي ربما أن يعتذر المسيء إلى الشخص الذي لحقه الأذى. لكن، ما حصل كان ابعد من ذلك، فصاحب منتجع السان جورج، فادي خوري، اراد التعبير عن انخراط مؤسسته في حملة مناهضة التمييز التي استهدفته، وقال انه بذلك يعبّر عن «قناعة شخصية بأنني لا أميز بين إنسان وآخر بسبب لونه أو رأيه، خصوصاً أن إلغاء التمييز هو قضيتنا التي بدأت مع سوليدير، واستناداً إلى ذلك أنا أدعم كلياً هذه الحملة».
إن عنى كلام فادي خوري شيئاً، فهو يعني «بداية بناء قناعة لا تمثل شخصاً بذاته، وإنما قطاعاً خاصاً لم يكن ليتلاقى على المسار نفسه، وبهذا صارت خطوة السان جورج شأناً عاماً»، يقول صاغية.
من هنا، بدأ لقاء يعوّل عليه الكثيرون للانطلاق منه إلى أمكنة أخرى. والتأسيس عليه، يقول صاغية «إنه يتم العمل على تجميع شهادات من شهود في أماكن أخرى تمارس التمييز». وهي الشهادات التي كانت قد بدأتها العام الماضي حركة مناهضة العنصرية، وتبين من خلالها أن «80% من المسابح لا تسمح بدخول العاملات الأجنبيات، ولكن بعضها لا يعلن ذلك صراحة»، تقول ناي الراعي، الناشطة في الحركة. لكن، ما الذي حصل فعلاً للوصول إلى هنا؟
بدأت القصة العام الماضي، عندما أخرجت راحل، الفتاة الإثيوبية، من مسبح السان جورج. يومها، تقدم فادي خوري باعتذار علني مكتوب. لكن الصبية لم تستطع كتم جرحها. تقدّمت بدعوى شخصية بوكالة صاغية وبمساندة حركة مناهضة العنصرية ضد السان جورج. لكنها لم تكمل، فخوري الذي اعتذر علنا في السابق، أعاد تأكيد ما كان قد قاله في العبارة التي علقها عند مدخل المنتجع.
كان يمكن لتلك القضية أن تكون المحاكم نهايتها. وحينها، سيكون الحكم واضحاً: رابح وخاسر. لكن، في المعادلة الجديدة «الكل رابح». وأهمية تلك الدعوى التي أرادتها راحل والمساندون لها «مبدئية»، أنها «عدا عن كونها أول دعوى ترفعها فتاة من ذوي البشرة السوداء ضد مؤسسة خاصّة، فقد أرست نوعاً من الوعي لقضايا اجتماعية تنتصر لحقوق الإنسان بعيداً عن المصالح الفئوية الضيقة والخاصة، وما فعله السان جورج أهم من التعويض المالي الذي كان يمكن أن تحصّله راحل»، يتابع صاغية. ببساطة، «رمم الخطأ».
هذا أولاً. أما ثانياً، فهو الحراك المدني «الذي بدأ يثمر، خصوصاً في ظل استحالة الاعتماد على مبادرة المجلس النيابي من خلال إصدار قوانين صارمة وقوية تحمي هؤلاء الناس»، يتابع صاغية. أما ثالث تلك الأمور، فهو التبدل الذي أحدثته تلك الدعوى من خلال العودة لشيء «اسمه الالتزام بالقانون والمواثيق الدولية»، تقول الراعي. تلك القوانين الواضحة والصريحة، والتي أضيف إليها في نيسان العام 2012 التعميم رقم 5، الصادر عن وزارة السياحة «والموجه إلى المسابح والحمامات البحرية ومرافئ الاستجمام بضرورة التقيد باعتماد المساواة في استقبال الزبائن من دون تمييز لجهة العرق أو الجنسية أو ذوي الحاجات الخاصة». وبغض النظر عن النوايا، إلا أن هذه الحادثة قد أحدثت تحولاً في مواقف الكثيرين من أصحاب تلك الأماكن المجمعين على «الالتقاء تحت سقف القانون»، يقول أحد أصحاب المسابح.
يبقى شيء أساسي تعجز الوزارة وغيرها عن العمل عليه، عقلية «الزبائن» العنصرية. فهؤلاء إلى الآن لم يقتنعوا بأن صاحبة البشرة الداكنة «ما بيحلّ لونها» في المياه؟