مجدداً في غضون أقل من أسبوعين، مشت عدلون في جنازة واحد من شبانها. أواخر الشهر الماضي، شيعت البلدة محمد شحادي أحد شهداء حزب الله الذي سقط في معارك القصير. أما أمس، فقد مشى أهلها أنفسهم في جنازة ابنها هاشم السلمان (27 عاماً) الذي سقط برصاص «مجهول» خلال مشاركته الأحد في تظاهرة أمام السفارة الإيرانية في بيروت رفضاً لتدخل الحزب في سوريا. لا تعاني عدلون من انفصام أو ازدواجية. أمس، تخطى معظم أبنائها معتقداتهم وآراءهم السياسية والفكرية الخاصة ومشوا في جنازة الشاب العشريني الذي اجتمعوا على دماثته وحسن أخلاقه، تماماً كما فعلوا في تشييع شحادي عندما وضعوا جانباً موقفهم الشخصي من مشاركة الحزب في الأزمة السورية. في هذه البلدة بالذات من بين البلدات الجنوبية، يمكن سماع وجهات نظر مختلفة حول ما تعرض له السلمان. جدرانها تزدحم بصور شهداء من أبنائها الذين سقطوا على جبهات مختلفة وخلف أحزاب وتيارات متعددة ومتقاتلة، إسلامية وفلسطينية وعلمانية وصولاً إلى حركة أمل وحزب الله. في ساحة البلدة، تطالعنا صورة ضخمة للشاب محمود حايك مذيّلة بعبارة «الشهيد المظلوم». قضى في أحداث مار مخايل مطلع عام 2008 برصاص قناصة لا يزالون مجهولين. قبالتها، ترتفع صور الشهيد محمد شحادي، وتزنر حيطان الدعم اللافتات والرايات الصفراء. حتى مساء أمس، لم تنضم صورة هاشم إلى رفاقه الشهداء.
منذ يومين، كان هاشم واحداً من الذين ينتقدون مشاركة الحزب في القتال السوري. لكن الكثير من هؤلاء لم يعبّروا عن رفضهم بصوت عال كما فعل هو، لأسباب مختلفة. في اليوم الأخير من حياته، لبّى هاشم، ومعه نحو 30 شاباً وشابة من عدلون، دعوة تيار الانتماء اللبناني الذي ينتمون إليه واستقلوا حافلة وتوجهوا للاعتصام أمام السفارة الإيرانية في بيروت. هاشم قتل برصاص غير معلن الوجهة حتى الآن، فيما لم يفلت رفاقه ورفيقاته من الضرب بالعصي من مناصرين لحزب الله. مع ذلك، لم يتحول الغضب أمس في عدلون على الشاب الطيب إلى مشهد عام. لم يسجل قطع طرقات أو إشعال إطارات احتجاجاً على سبيل المثال. ما نقله مقربون من أسرة الشاب أن فعاليات من البلدة ومن الحزب و«أمل» أرسلوا تحذيرات إلى رئيس تيار الانتماء أحمد الأسعد من المشاركة في تشييع هاشم الذي جرى عصر أمس. بالفعل، لم يحضر الأسعد كما كان يفعل في مناسبات عادية إلى بيت والد هاشم، نشأت السلمان، الوفي لآل الأسعد، من الرئيس الراحل كامل الأسعد، إلى ابنه أحمد، لكنه أرسل زوجته ممثلة عنه للمشاركة في التشييع وتقديم واجب العزاء.
في بيت العائلة، يسود غضب صامت يتجلى في وجوه الوالد وأشقاء هاشم. يشير قريب للعائلة إلى أن بعض الأقارب والأصدقاء ممن كانوا على قطيعة أو خلاف مع نشأت وأولاده بسبب تمسكهم بالولاء لآل الأسعد، حضروا للمشاركة في العزاء. يلفت إلى أن هذا الولاء متوارث لآل الأسعد الذين كانوا يتمتعون بقاعدة شعبية عريضة في البلدة وجوارها، قبل أن يصبح حزب الله وحركة أمل الأوسع حضوراً في الجنوب. شقيق هاشم، صلاح، يؤكد لـ«الأخبار» أنه يعرف قاتل شقيقه، وسوف تتخذ العائلة ضده صفة الادعاء الشخصي أمام القضاء. يرفض تسميته رغم تلميحه إلى تورط «من يتاجر بالدين بدم أخي». ولأن هذا الدم «ليس رخيصاً»، لفت إلى احتمال اتخاذ خطوات احتجاجية ميدانية ضد ما تعرض له هاشم. وعن عدم مشاركة الأسعد في تشييع شقيقه، تساءل صلاح عمن كان ليضمن سلامته الشخصية إن حضر، مؤكداً أن بيت العائلة هو بيت أحمد الأسعد. صلاح تبرّأ من البيان الذي صدر عن آل السلمان في أماكن وجودهم في الجنوب والذي استنكروا فيه «الدعوة الى الاعتصام أمام السفارة الإيرانية وحمّلوا مسؤولية دم الفقيد إلى المدعو أحمد الاسعد الذي يغرر ببعض شبابنا ليجرهم الى نهجه الصهيوني ـــ الاميركي». وتبرّأ كاتبو البيان من أحمد الاسعد «ومن خطه السياسي الذي لا يعبرّ عن خطهم المقاوم بانتظار كشف الحقيقة لتبيان هوية مطلق النار الحقيقي».
معرض تجهيزات المسابح الذي كان يديره هاشم على مقربة من منزل عائلته أقفل أبوابه أمس لليوم الثاني. يلقي المارّون بقربه نظرة حزينة على «الشاب إلي راح». منهم من يحمّل مسؤولية دمه لأحمد الأسعد الذي «دفع بشبان لاستفزاز الحزب الذي عجزت عنه إسرائيل وأميركا»، فيما ساق آخرون نظرية «الطابور الخامس». لكن الخصوم والحلفاء أجمعوا على استيائهم مما تعرض له هاشم، ملمّحين بحذر إلى خشيتهم من سيادة الرأي الواحد في الجنوب.
وفي السياق ذاته، قال «المستشار التنفيذي» لتيار أحمد الأسعد، المحامي مرهف رمضان، لـ«الأخبار»، إنه سيعلن اليوم انسحابه من التيار بعد ما جرى أمام السفارة الإيرانية أول من أمس.