من جرود العاقورة (70 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي لبيروت)، حمّل شربل نحاس أخيراً صورة على موقع «فايسبوك»: العدّاد على هاتفه الذكيّ يُسجّل سرعة اتصال بالإنترنت عبر تقنية الجيل الثالث (3G) عند 3.7Mb/s. أرفق اللقطة بتعليق بسيط: «هل تذكرون؟ كانوا يريدون تعطيل الجيل الثالث».
يقصد الفترة التي تولّى فيها حقيبة الاتصالات، وتحديداً حين أطلق المشروع الشهير الذي حاربه بعض من أصحاب المصالح التجارية والسياسية على قاعدة أنّه يضرّ بالمنافسة في الاقتصاد اللبناني الحرّ (!)
ليس بعيداً عن تلك الجرود، وتحديداً في العاصمة، كانت المعركة مستمرّة بين وزارة الاتصالات وإدارة هيئة «أوجيرو» التي تُعدّ ذراعها التنفيذيّة، بسبب امتناع الأخيرة عن تحرير سعات الإنترنت المطلوبة لتلبية حاجة البلاد من الإنترنت الثابت وعبر شبكتي الخلوي. وصل الكباش إلى تقديم الوزير نقولا صحناوي شكوى جديدة ضدّ رئيس الهيئة عبد المنعم يوسف (ومديرها) لأنّه «يأخذ اللبنانيين رهينة ويجعلهم يعانون بطئاً في الإنترنت».
رغم كلّ الضجّة السياسية والتجارية التي تُثار في قطاع الاتصالات الخلوية بين الفينة والأخرى _ حيث يُستخدم هذا القطاع كرهينة لعرقلة تقدمه أو لتحقيق نقاط سياسية _ يُلحظ في السوق شهية واضحة، حيث يُعدّل الإنترنت عبر الخلوي (Mobile Internet) على نحو واضح سلوك مستهلكي خدمات الاتصالات.
حالياً، يفوق عدد المشتركين بخدمة الإنترنت عبر الجيل الثالث 1.68 مليون. أي أنّه برمشة عين سيُصبح نصف مشتركي الخلوي متصّلين بالإنترنت الجوّال. يستهلك هؤلاء 13 مليون ميغابايت يومياً.
هي ليست خاصية لبنانية، إذ تسير البلاد التي تعطّشت كثيراً لتطوير الخدمات وتنويعها في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وفقاً للنمط المسجّل عالمياً.
بنهاية عام 2013، سيصل عدد مشتركي الإنترنت عبر شبكات الخلوي إلى 2.1 مليار عالمياً، أي بمعدّل اختراق عالمي يبلغ 29.5%، وفقاً لتقديرات اتحاد الاتصالات الدولي (ITU). وذلك بعدما كان هذا الرقم 268 مليون مشترك فقط في عام 2007. «هذا يعني معدّل نمو سنوي يبلغ 40%، ما يجعل الإنترنت السريع الجوال أكثر مجال يتمتع بدينامية في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات»، يقول الاتحاد التابع للأمم المتّحدة في تقرير نشره أخيراً.
أما في لبنان، فمعدّل الاختراق حالياً هو 42%، أي أعلى من المعدّل العالمي بأكثر من الثلث.
يُشير مروان حايك، المدير العام لشركة «Alfa» _ التابعة لـ«أوراسكوم» وإحدى الشركتين المشغّلتين لقطاع الخلوي _ إلى أنّ عدد مشتركي الإنترنت عبر الخلوي قفز على نحو هائل بعد انطلاق خدمة الجيل الثالث في خريف عام 2011. «منذ عامين، زاد عدد المشتركين على شبكتنا بنسبة 500% إلى 800 ألف مشترك حالياً».
ما يوضح هذا الطلب الكبير هو زحمة المعلومات التي يجري تبادلها يومياً _ «Data Traffic». وفقاً لبيانات «Alfa» ارتفعت الحركة من 10 ملايين ميغابايت شهرياً إلى 120 مليون ميغابايت؛ ومن المتوقع أن يصل الرقم إلى 200 مليون ميغابايت في آخر عام 2013. هذا يعني نمواً بنسبة 1900% خلال عامين فقط (وهذا يُفسّر أيضاً الطلبات المستمرّة لداتا الاتصالات على خلفيات أمنيّة/ سياسية لبنانياً، ويُفسّر أيضاً أهمية برنامج «Prism» الذي تديره الاستخبارات الأميركية ويُعدّ الجيل الأحدث من برامج التنصّت والاستخبار).
يعكس هذا الرقم طلب المستهلكين على التطبيقات الأكثر شعبية من «WhatsApp» و«Facebook»، وصولاً إلى استخدام «YouTube» وتنزيل الألعاب.
ولكن رغم هذا الطلب الهائل، لا يُسقط الخبراء العامل النفسي الذي يُبقي المستهلكين في «حالة تذمّر مستمرة، وربما أبدية!» وفقاً لأحد الخبراء المتابعين في القطاع.
«لاحطنا أخيراً أنه بعد خفض الأسعار وزيادة السعات المتوفرة بنسبة 50%، زاد حجم المعلومات المتبادلة على الشبكة بنسبة 35% تقريباً»، يشرح مروان حايك؛ في إشارة إلى ارتفاع حركة الداتا من 5 ملايين ميغابايت يومياً إلى 6.5 ملايين.
«بدأنا نُسجّل هذا النموّ مباشرة بعد 7 أيار (2013) حين رفع سقف الاشتراكات، وهذا النمط يُظهر أنّ السعر يؤثّر كثيراً على الطلب وعلى سلوك الزبائن».
طبعاً، أن تزيد السعة المتوفّرة لكلّ مشترك بواقع النصف ويبقى السعر ثابتاً سيدفعه إلى رفع شهيته على ولوج الشبكة، وربما القيام بنشاطات كانت مكلفة جداً من قبل، مثل مشاهدة مقاطع الفيديو.
السلوك نفسه يُلحظ في بيانات شركة «Touch» التابعة لشركة «زين»، والتي تشغّل الرخصة الثانية في قطاع الخلوي اللبناني. وفقاً لمديرها التجاري، نديم خاطر، سجّل عدد مشتركي الجيل الثالث على هذه الشبكة فورة بنسبة 600% منذ أيلول عام 2011. إذ ارتفع من 144 ألف مشترك حينها إلى 881 ألف حالياً.
اللافت في هذه الحركة أن عدد الأجهزة الخلوية الذكية العاملة على هذه الشبكة يرتفع على نحو ملحوظ بالتماهي مع زيادة الطلب على الإنترنت الجوّال. يوضح نديم خاطر أنّه منذ بداية العام، ارتفع عدد الهواتف الذكية بنسبة تفوق 20% إلى 1.21 مليون جهاز.
كذلك، تلحظ «Touch» نمواً كبيراً في معدّل استهلاك الفرد للسعات. منذ نهاية عام 2011، ارتفع هذا المعدّل بنسبة 145%.
ويُشير خاطر إلى أنّ زيادة السعات المتوفّرة للمشتركين بواقع النصف منذ بداية أيار الماضي، ساهمت في زيادة اختراق الجيل الثالث، وتحديداً للرزم الأعلى؛ أي من 1.5GB شهرياً وما فوق. وهي مسألة منطقيّة حيث تُصبح كلفة الاشتراك أكثر مرونة لحاجة متزايدة للسعات الكبيرة في العالم الرقمي.
«لقد دخل المستهلك اللبناني من الباب الواسع في العالم الرقمي الذي تؤمّنه الإنترنت عبر الخلوي» يشرح نديم خاطر. يُشير مثلاً إلى أنّ 400 ألف مشترك لدى «Touch» عمدوا الى تنزيل التطبيق الخاص بهذه الشركة لتسهيل عملية تشغيل الخدمات والحصول على المعلومات المختلفة.
حالياً، يبلغ معدّل استهلاك السعات عبر إنترنت الخلوي على شبكة «Touch»، نحو 6.5 ملايين ميغابايت يومياً. هذا يعني أنّ إجمالي الإنترنت الذي يستهلكه اللبنانيون عبر شبكتي الخلوي، يبلغ 13 مليون ميغابايت يومياً. وهو معدّل عالٍ نسبياً ويعكس شهية مفتوحة على هذه الخدمة. ووفقاً لتقديرات الخبراء في القطاع، فإنّ هذا الرقم مستمرّ بالنموّ مع زيادة الاشتراكات، وخصوصاً تشغيل الهواتف الذكية _ وأجهزة الاتصالات التي تستخدم الشرائح الخلوية (SIM) مثل الحواسيب اللوحية _ التي تجعل تجربة الإنترنت عند مستوى آخر كلياً.
الملاحظ في قطاع الخلوي أنّ الإنترنت الجوال لا يعكس فقط شهية المستهلكين على هذه الخدمة، بل أيضاً دورها في تعديل سلوكياتهم الرقمية كلياً. مثلاً، توضح بيانات «Alfa»، أنّه خلال أقل من ثلاث سنوات تراجع العدد الإجمالي للرسائل النصية القصيرة (SMS) بنسبة تفوق 24%.
واللافت هو أنّ ارتفاع عدد المشتركين عبر الخطوط اللاحقة الدفع _ أي الخطوط المثبتة التي تُسوّى تكلفتها عبر فاتورة شهرية _ لم يؤدّ إلى زيادة عدد الرسائل النصية على الشبكة، بل ولّد طلباً هائلاً على الإنترنت.
النمط نفسه يُلحظ لدى المشتركين في الخطوط المسبقة الدفع (Prepaid). ففيما ارتفع معدّل السعة لكلّ مشترك بنسبة 372% منذ نهاية عام 2012، انخفض معدّل الرسائل لكل مشترك بنسبة 32.4%.
وهذه التحوّلات ليست مستغربة، إذ إنّ الخدمات التي تؤمّنها الإنترنت عبر الأجهزة الذكية _ مثل التحادث المباشر والاتصالات الصوتية عبر الإنترنت (VoIP) _ تؤدّي إلى تراجع أهمية الخدمات التقليدية التي كانت تؤمّنها تلك الأجهزة التي تلتصق بحياتنا منذ الصباح وحتّى موعد النوم؛ وحتّى تنام إلى جانب الكثيرين!
ولكن إضافة إلى تجربة الإنترنت عبر الجيل الثالث، شهد لبنان أخيراً إطلاق خدمة الجيل الرابع (4G) أو التطور الطويل الأمد (LTE). وكما تعرّض المشروع السابق لانتقادات تقنية ولأسعاره المطروحة، جذب الجيل الجديد موجة أخرى من الانتقادات.
تؤكّد الشركتان أنّ تغطية لبنان بإرسال هذه الخدمة هي وفق برنامج يُفترض أن يشمل معظم بيروت مع نهاية الخريف المقبل؛ وهو في هذه المرحلة مخصّص للمستخدمين الكبار للإنترنت (Heavy Users). ولكن كيف يُمكن تقويم الأسعار مع المعدلات العالميّة؟
«العروض التي أعددناها لخدمة الجيل الرابع، وخصوصاً الرزم العالية، تُعدّ منطقية جداً لدى المقارنة مع البلدان الأخرى» يجيب مروان حايك. ووفقاً لجدول مقارنة أعدّته «Alfa» يتضح أنّ معدل الأسعار السائد في لبنان قريب جداً من الذي تفرضه شركة «اتصالات» الإماراتية؛ كذلك فإنّ النمط الذي يعكس الكلفة قياساً بحجم السعات المستخدمة، هو نفسه المسجّل لدى شركة «Verizon» التي تُعدّ الرائدة عالمياً في تقنية الجيل الرابع.
«هناك شهيّة واضحة على خدمة الجيل الرابع» يقول نديم خاطر. يوضح أن الزبائن يُبدون اهتماماً خاصاً بأجهزة مواءمة اتصال الحواسيب بشبكة الخلوي عبر شرائح الخطوط الهاتفية _ «Dongles» _ وعبر أجهزة توجيه وتوزيع الاتصال بالإنترنت لأكثر من مستهلك _ «Rouers» _ للحصول على سرعة إنترنت عالية جداً، وخصوصاً في أوساط الشركات.
وتعمل الشركتان على نشر أجهزة توزيع خدمة الجيل الرابع للوصول إلى مستوى تغطية مقبول في منطقة بيروت بحلول الخريف المقبل. وبالتوازي مع هذه الخطوة، تستمر عملية تعزيز تغطية شبكة الجيل الثالث لتحسين الإرسال والوصول إلى ما يُسمّى «In Door Coverage»؛ ويتمّ ذلك عبر استخدام الاتصالات عبر هذه التقنية لموجة 900MHZ.
وقد أدّى تحسين شبكة «3G» خلال الآونة الأخيرة إلى رفع الولوج على الشبكة من 95% إلى 99%، وإلى خفض نسبة الاتصالات الفاشلة إلى 0.6% تقريباً.
ويؤمّن الجيل الرابع خدمة إنترنت عالية جداً قياساً بالمعدلات الأخرى. فمثلاً كان معدّل سرعة تبادل المعلومات عبر شبكة «GSM» _ أي عبر تقنية «EDGE» _ قرابة 200Kb/s. وارتفع المعدّل إلى 21Mb/s عبر شبكة الجيل الثالث بتقنية «HSPDA»، ثمّ إلى مستوى نظري مرتفع جداً يراوح بين 42Mb/s و84Mb/s وصولاً إلى 100Mb/s.