هل تحمل الأيام المقبلة استقراراً منشوداً وخصوصاً بعد الجولة الأخيرة من المواجهات في مدينة صيدا؟ الإشارات من حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، تبدو مطمئنة. يتحدّث عن «انفراج» وعن استقرار مالي ونقدي حالياً، بمقوّمات مصرفية تحفز النموّ خلال المرحلة المقبلة إذا ساد الاستقرار السياسي.
تطمينات سلامة جاءت في مؤتمر خاص بمصارف لبنان والأردن نظّمه مصرف «ستاندرد تشارترد» في بيروت أمس. تشي بإشارات واضحة عن حلّ مرتقب على المستوى السياسي ينعكس اقتصادياً ومالياً. قال إنّ البلاد تمر اليوم «بظروف صعبة» وخصوصاً نتيجة «أحداث اليومين الأخيرين» في إشارة إلى مواجهات منطقة عبرا الصيداوية. «غير أنني أعتقد أن هذه الأجواء إلى انفراج ونأمل أن يكون هنالك حوار بين الفرقاء في لبنان لتجنّب هكذا نوع من المشاكل».
لم يوضح الحاكم طبيعة الانفراج المرتقب ولكن، في المبدأ، يُمكن أن يكون اتفاقاً بين السياسيين لتشكيل حكومة. وفي هذا الصدد قال سلامة: «نتمنى أن يصبح لدينا حكومة، أولاً، لكي تهتمّ بشؤون المجتمع اللبناني، وثانياً، لكي تتابع عملية التمويل الذي يحتاج اليه لبنان وبالأخص الدولة اللبنانية، كون عملية التمويل اليوم على عاتق المركزي وإن الحكومة الحالية هي فقط قادرة على تجديد الدين الموجود بما يتعلق بالدين بالعملات الأجنبية».
ووصف الحاكم الاكتتاب الذي جرى أخيراً بسندات خزينة بالليرة لأجلي 8 و10 سنوات، بأنّه مهمّ وناجح. «تمكّنا من استحواذ 700 مليار ليرة من الأسواق بالفوائد المعمول بها عادة؛ هذه المبالغ كافية لتأمين حاجات القطاع العام وكافية أيضاً لتطمين الأسواق إلى أن عملية التمويل وإعادة التمويل مستمرة».
وطمأن سلامة، في معرض شرحه المعطيات الآنية، إلى أنّ «الأوضاع النقدية مستقرة حالياً». وشرح أنّه حتى خلال الاشتباكات الضارية التي شهدتها صيدا «لم يكن في السوق أي اضطرابات وأي تغيّر بمنحة الثقة الموجودة بالليرة اللبنانية».
في خزنة المركزي اليوم 37 مليار دولار عبارة عن احتياطي العملات الأجنبية، باستثناء الذهب. «هذه المبالغ الموجودة كافية لطمأنة الأسواق وخصوصاً أن سياستنا المعروفة واضحة لاستقرار الليرة».
ويُقدّر مصرف لبنان أن يبلغ النموّ الاقتصادي هذا العام عند 2.5%، وهو أعلى بنصف نقطة مئوية من تقدير صندوق النقد الدولي. أما على الصعيد المعيشي المباشر، فيوضح رياض سلامة أنّ معدّل التضخم، أي ارتفاع الأسعار، هو بحدود 3%، «دون الأخذ بعين الاعتبار مسألة إقرار سلسلة الرتب والرواتب، التي، في حال أُقرّت» تفرض «تغيير توقعاتنا».
وبالحديث عن القطاع المصرفي تحديداً، الذي تجاوزت أصوله أخيراً عتبة 155 مليار دولار، شدّد حاكم المركزي على أنّه «سليم» وقال: «لدينا اليوم فائض من السيولة من جراء تراجع الطلب على التسليف». والمصارف اللبنانية اليوم قادرة على تأمين تمويل بقيمة 20 مليار دولار، وفقاً لسلامة، «من دون أن تكون قد تعدّت على أي من تعاميم المركزي بما يخص الرأسمال وكفاية رأس المال».
عموماً، «بمقدور تحسّن الوضع السياسي والأمني أن يمنح انطلاقة مهمة جديدة للاقتصاد بسبب توفّر التمويل».
يُشار إلى أنّه خلال أحد اللقاءات الأخيرة مع جمعية المصارف، استبعد سلامة أن يتعرّض القطاع لصدمات سلبية هذا العام رغم التباطؤ الاقتصادي محلياً وعدم الاستقرار الإقليمي.
وعن وضعية القطاع المصرفي على منصة الشفافية، قال سلامة إنّ «لبنان كان قد مرّ بفترة ضغوطات دولية على قطاعه المصرفي وهذا الشيء أصبح وراءنا». أوضح: «بالأمس، تبلّغت بأنه قد تمّت تسوية بين الحكومة الأميركية والبنك اللبناني الكندي، الذي بحالة تصفية، وهذا الملف قد أُقفل، الأمر الذي يدل على أن التوجه العام هو لأن يكون هنالك واقعية ــ لدى الجانب الأميركي ــ وتعاط أفضل معنا مقارنة بالماضي».
بالنظر إلى الأمام، يُحضّر المركزي لإطلاق أسواق رأس المال ولتفعيل بورصة بيروت بعد خصخصتها. كذلك، يعمل على إرساء قواعد وقوانين بهدف تأمين شفافيّة وسيولة بالأسواق المالية اللبنانية. «نحن نأمل أن يكون هنالك مشاركة فعالة من قبل القطاع المصرفي ومن قبل المؤسسات المالية ومن قبل مؤسسات الوساطة لإحياء هذا السوق» أوضح سلامة. ورغم أنّ هذا الإجراء «يتطلّب بعض الوقت ــ بعض الأشهر ــ إنما العمل جار حالياً بصورة جدية».
وأعرب سلامة عن أمله بالتوصل في ما بعد إلى «خلق مناطق مالية حرّة في لبنان توفّر للشركات قدرة التعاطي بالقضايا المالية وأن تنتسب اليها من دون أن يكون لديها عوائق إدارية، كان من الممكن أن تواجهها تقليدياً، للعمل في لبنان». بموازاة العمل على هذه السكة، «سنخلق مراكز للأبحاث والتطوير تتيح للشباب ولأصحاب المشاريع (لبنانيين وغير لبنانيين) بأن يتواجدوا بالمقربة من مركز مالي، ما يتيح التفاعل ــ بهدف ــ إنشاء شركات جديدة في لبنان تغذي السوق المالي في المستقبل».
(الأخبار)