هل انتهت أزمة "تلفزيون لبنان" بتعيين طلال المقدسي رئيساً لمجلس الإدارة، وأقفل باب تصفية الحسابات التي كانت القناة الرسميّة وموظفوها يدفعون ثمنها يوميّاً؟ هل ستقتنع الرئاسات الثلاث بتعيين مستشار وزير الداخليّة والبلديات للشؤون الدوليّة طلال المقدسي لمنصبه؟ فقد أصدر قاضي الأمور المستعجلة في بيروت جاد معلوف، قراراً عيّن بموجبه المقدسي مديراً موقتاً بصلاحيّات رئيس مجلس إدارة مدير عام «تلفزيون لبنان»، وعيّن خبير المحاسبة جوزف سماحة مديراً موقتاً بصلاحيات أعضاء مجلس الادارة، على أن تحصر أعمالهما بما يلزم لتسيير أعمال الشركة، لغاية تعيين الإدارة من قبل السلطة المختصة وتكليفهما رفع تقرير شهري عن أعمالهما إلى المحكمة.
للحدث وجهين، أحدهما إيجابي والآخر سلبي، ولعل الكلام عنهما لا ينفصل. هل فجأة صار تفاقم الوضع الصحي لرئيس مجلس الادارة المدير العام ابراهيم الخوري، يستدعي تعيين بديل له؟ لماذا أتت هذه الخطوة متأخرة إلى هذا الحد، علماً أن الفساد الذي تحدثت عنه الوزارات السابقة، و"التربح" الذي شكا منه وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال وليد الداعوق ليس جديداً. هذه الخطوة، كان موعدها منذ سنوات، لكن الحال الصحية الحرجة الذي جعلت الخوري ضيفاً على مكتبه، هي ما استعجل اتخاذ هذا القرار.
ليس تقليلاً من شأن خطوة تأخر اتخاذها سنوات، وجاءت عن طريق القضاء بعدما عجز الطامعون بجبنة التلفزيون، عن التوصل إلى اتفاق في ما بينهم، على كيفيّة تقسيمها، ومن سيأخذ الحصّة الأكبر. السؤال ماذا سيترتب على القرار الجديد؟ هل ستفتح أنابيب البترول وتضخ الأموال في المحطة التي تلفظ أنفاسها الأخيرة؟ وإذا تم تعيين مدير عام للمحطة، فهل هناك مهلة لتعيين مجلس إدارة جديد؟ وما مصير التأمينات الاستثنائيّة التي خصّصت لابراهيم الخوري وأعضاء المجلس السابق، ولعل بعضهم يحتاجها اليوم أكثر من أي وقت مضى؟.
إذاً، صار لتلفزيون لبنان مدير جديد، معين بقرار قضائي. يوضح الوزير وليد الداعوق لـ "الأخبار" "أننا لم نتمكن من تعيين أحد في هذا الموقع، بدلاً من مجلس الإدارة الحالي، وحين حاولت تعيين أحد الأسماء، لم نصل إلى نتيجة بسبب التجاذبات السياسيّة، لكن بعدما صرنا حكومة تصريف أعمال، لم يعد باستطاعتنا الانتظار أكثر في ظل الوضع الصحي المتأزم لرئيس مجلس الإدارة الحالي". هكذا، اتخذ الموضوع إطاراً قضائيّاً، "أرسلت إلى القاضي لائحة بالأسماء المتداولة، على أن يختار هو اسماً منها أو من خارجها". ويوضح الوزير بأن "التلفزيون يحوي كفاءات لم تأخذ حقها، ولم يتم الاستفادة منها كما يجب، لافتاً إلى أن المدير الجديد يحتاج إلى بعض الوقت، لإجراء جردة حساب قبل أن ماشرة العمل على إعادة الحياة إلى المحطة.
والآن كيف وصل الخبر إلى موظفي التلفزيون؟ صدر القرار عن قاضي الأمور المستعجلة، وأبلغ الموظفون بورقة غير رسمية تم تصويرها وتوزيعها. وتفاوتت ردود الأفعال بين مرحب بالقرار بدأ يرسم قصوراً ويخطط لكيفية الاستفادة من القادم الجديد، وبين حذر ومترقب. إنما هل يتفاءل الموظفون بالتعيين الجديد؟ يعرب مصدر مطلع عن خشيته ألا يتمكن المدير الجديد من التغيير الإيجابي المطلوب في التلفزيون، باعتبار أنّ إدارة هذه المؤسسة حتاج إلى تمرّس في الإعلام.
لعل الحديث عن تفاؤل أو تشاؤم هو أمر مبكر الآن، لكن ما لا يدعو إلى اعتبار ما جرى انتصاراً ويشكل خلاصاً لتلفزيون لبنان، هو أنّ الأزمة الحالية لا يتحمل مسؤوليتها مجلس الإدارة ورئيسه فقط، بل تتحملها الحكومات المتعاقبة المسؤولة عن نهج كرسته سياسات وزارات متعاقبة. والعلة لا تكمن في رأس الهرم فقط لأن السنوات الماضية، جعلت التلفزيون وكراً يعشعش فيه الفساد، ولا بد من إعادة تأهيله بعيداً عن حسابات أصحاب المصالح والسماسرة.