برّر رسميون في اوروبا قرار إدراج المقاومة الاسلامية على لائحة المنظمات الارهابية بأنها لم تعد مقاومة مشروعة ضد محتل. لكن هؤلاء لم يصرحوا بالاسباب التي دفعتهم الى هذه الخطوة، لأن المعطيات السرية التي قدمتها اسرائيل، وان ركزت على اعمال منسوبة لحزب الله في اوروبا، الا انها تستهدف، على فرض انها صحيحة، اهدافاً اسرائيلية. وهذه المعطيات لا تزال في اطار امني فقط. ولا تتضمّن ادلة تستطيع دولة اوروبية واحدة تحويلها الى ادعاء قضائي. حتى حادثة بلغاريا، لم يجد المعنيون في البلد المذكور او في اسرائيل ما يكفي من ادلة لاتهام حزب الله بالوقوف خلفها. طبعا، لم تقرر اوروبا هذه الخطوة استجابة لطلب اسرائيل فقط. او لنقل بدقة اكثر، ان الاسباب التي دفعت اوروبا الرسمية الى هذه الخطوة، لا تتصل فقط بالحسابات الاسرائيلية او الاميركية. بل ربما هي المرة الاولى التي لن يقول الاوروبيون صراحة سبب خطوتهم هذه. وهم قد لا يشيرون الى أن من دفعهم بقوة الى القرار، انما هو فريق اوروبي موجود في الحكومات والجيوش والاجهزة الامنية، بالاضافة الى عواصم عربية واخرى من منطقة الشرق الاوسط، مثل تركيا. وكل هؤلاء، كانوا يهتمون بتصنيف حزب الله على انه منظمة ارهابية، ربطاً بمستجد هو دور الحزب المباشر في الازمة السورية.
منذ اسابيع والاعلام الغربي، ولا سيما الاوروبي، ينقل عن مسؤولين امنيين وعسكريين، وعن دبلوماسيين ودوائر القرار، أنّ تدخل حزب الله العسكري والامني في سوريا الى جانب الجيش العربي السوري، قد احدث فرقاً كبيراً، وأدى الى تخريب مشروع تدمير سوريا واسقاط حكم الرئيس بشار الاسد. وهو فتح الباب امام مسلسل فضائح تخص قوى المعارضة المسلحة والدول الداعمة لها، بما في ذلك اوروبا نفسها التي وجدت نفسها، كما الولايات المتحدة، مضطرة لأن تصرح عن دعمها العسكري والامني والمالي والسياسي والاعلامي للمجموعات المسلحة، بعدما كانت تفعل ذلك سراً او من دون اعلان رسمي.
يصرّح الاوروبيون اليوم، من رأس السلطة في بريطانيا الى وزراء الدفاع والامن والخارجية في فرنسا وايطاليا والمانيا، بأن حزب الله صار عقبة كبيرة امام مشروع اسقاط حكم الاسد، وعقبة رئيسية امام مشروع السيطرة على سوريا بعد تدميرها. ويتصرف هؤلاء على ان حزب الله لا يمثل في هذه اللحظة حزبا لبنانيا صغيرا، بل يمثل المحور الذي يشمل كل من يقف اليوم الى جانب الحكم في دمشق، من مواطنين عرب الى حكومات وجيوش عربية او اقليمية او دولية. وان لحزب الله فاعلية مزدوجة. فهو يمثل، برغم كل الشيطنة والحملات عليه، ابرز علامات الشرعية الشعبية العربية، وابرز حركات مواجهة الاستعمار الجديد المتمثل باسرائيل او بالقوات المتعددة الجنسية التي طردت من العراق كما طردت من لبنان قبل ثلاثين سنة، بفعل اعمال بطولية كان لحزب الله دوره البارز فيها.
قرار اوروبا الرسمية في شأن حزب الله يمثل، بهذا المعنى، جولة في حرب تخص اوروبا، كما تخص اسرائيل والولايات المتحدة. وتبدو اوروبا مستعدة لتجاوز المصلحة الاسرائيلية اذا حقق لها حزب الله بعض مطالبها. واذا كانت حديقة الورود في البيت الابيض الاميركي جاهزة للاحتفاء بكل ارهابي قرر مصالحة اسرائيل، فإن قصور الملوك والامراء والقادة في اوروبا جاهزة، الآن، للاحتفاء بحزب الله اذا هو ادار ظهره لحكم الاسد في سوريا.
بهذا المعنى، على اسرائيل ان تتواضع قليلا، وان تدرك ان قرار اوروبا الرسمية لم يقع تحت ضغطها، ولها ان تحتفل بأن حزب الله صار خصماً مشتركاً لها ولاوروبا الرسمية. وبهذا المعنى، يمكنها ان تعمل على التحريض اكثر، وعلى ممارسة العنف بكل انواعه طالما ان اوروبا صارت شريكة في الحرب المفتوحة ضد المقاومة في لبنان.
ومع ان الجميع يعلم ان حزب الله ليس من القوى القابلة للتنازل امام هذا النوع من الضغوط، فإن هؤلاء يعلمون ان مشاركة حزب الله في القتال في سوريا، انما ترد في سياق ما يراه الحزب حقا مشروعا في الدفاع عن مصلحة مقاومته ضد الاحتلال. وهذا يعني انه لا مجال لانتظار اي تنازل من جانب الحزب، لا لجهات عربية ولا لجهات دولية. وهذا، بحد ذاته، سبب اضافي لكي تفكر اوروبا الرسمية بطرق جديدة لمعاقبة الحزب.
ليس في اوروبا الرسمية اليوم من يجد نفسه مضطرا لشرح أبعاد واحد من اغبى القرارات، وليس في اوروبا الرسمية اليوم من يجد نفسه تحت ضغط جمهور وناس ونخب لتبرير قرار وصف أرقى حركة تحرر عربية واسلامية بـ«المنظمة الارهابية»... لكن في اوروبا الرسمية، من سيجد نفسه، في يوم ليس ببعيد، مضطرا لأن يشرح للناس هناك، حقيقة الخسائر التي ستمنى بها اوروبا اقتصاديا وعسكريا وسياسيا واعلاميا بسبب عقلها الاستعماري الاستعلائي. وفي غضون ذلك، ثمة من سيدفع الثمن، لكن ليس على ضفة واحدة كما جرت العادة، بل على الضفة الاخرى ايضا!.
اعلان اوروبا الحرب على المقاومة يعني ان اي حضور اوروبي في بلادنا ومنطقتنا، هو حضور غير مرحب فيه. ويعني ان على اوروبا ان تتصرف، من الآن فصاعدا، على انها تتحرك في ارض معادية... الا اذا كانت تتكل على بندر بن سلطان وصحبه!