الاثنين الماضي، لم تعرف النسوة واللبنانيون عموماً ما إذا كان عليهم أن يحتفلوا أو يحزنوا بإقرار اللجان النيابية المشتركة مشروع قانون حماية المرأة من العنف الأسري، فاتّفقوا نهايةً على الترحيب بالخطوة واتخاذ موقف حذر من القانون ومتابعته والتشديد بإدخال التعديلات التي اقترحتها منظّمة «كفى عنف واستغلال» عليه. فمشروع القانون الذي أقرّ هو نسخة جرى تعديلها، بسبب ضغوط مباشرة من رجال الدين، عمّا تقدّمت به المنظّمة. فما الذي يعنيه تحوّل مشروع القانون من «قانون حماية المرأة من العنف الأسري» إلى «قانون حماية المرأة وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري»؟ وهل الصيغة التي أقرّ فيها مشروع القانون بقيت تضمن حقوق المرأة، أم أنّه جرى تفريغ القانون من مضمونه؟ !<--break-->
ردّدت أمس مجدداً والدة الراحلة رولا يعقوب، في اعتصام أقيم أمام وزارة العدل للاعتراض على إخلاء سبيل الزوج المشتبه في تسببه بوفاتها، أنّه لو كان هناك قانون يحمي ابنتها، لما فقدتها. فهل صحيح أنّ مشروع القانون هذا كان ليحمي رولا والنساء اللبنانيات؟
المحامي نزار صاغيّة يرى أنّ مشروع القانون الذي أقرّته اللجنة فتح الباب وأعطى القضاء إمكانيّة التحرّك في قضايا العنف الأسري، لكن العبرة ستكون في تطبيقه. ويضيف «هل ستتم مواكبة القانون بجهد في المحاكم؟ إذا لم يتمّ ذلك، فإنّ نتائج القانون ستكون سلبيّة أكثر منها إيجابيّة. فبقدر ما نشتغل حقوقياً حول القانون بقدر ما يكتسب معناه، أمّا إذا تركناه على حاله فإنّ هناك إمكانية كبيرة بأن تقوم المحاكم الشرعيّة بالانقضاض عليه. فمشروع القانون هذا يعطي إمكانية للحراك والمضيّ خطوة إلى الأمام، لكنه في الوقت عينه يسمح للقوى المضادة بأن تحتفظ بأسلحتها».
إذاً، هو مشروع قانون آخر تمّ تفصيله على القياسات اللبنانية. الحصول على حقوقنا لن يكون أبداً فوق مصلحة الطوائف العظمى. في مراحل عدّة في مشروع القانون، ستصطدم بتبرير بعض التعديلات التي أجريت على نسخة المشروع الأصليّة، بكونها «تميّز لصالح الأنثى في الأسرة (وهذا غير دستوري م7)»! أي أنّه تمّ تعديل الكثير من المواد، وأولاها عنوان مشروع القانون، لأنّها تعطي امتيازاً للمرأة داخل الأسرة، فما كان من اللجنة الفرعيّة إلا أن حرصت على إلغاء هذه الامتيازات، حرصاً منها على المادة السابعة من الدستور التي تنصّ على أنّ اللبنانيين جميعاً سواسية أمام القانون. يقول صاغية إنّ «المشكلة الأساسية في القانون هي في كونه انطلق من فكرة أنّه لا يريد التمييز لصالح المرأة، فشملوا الأسرة كلّها في المشروع، وانتهى بهم الأمر يميّزون ضدّ المرأة. لكن المشكلة أنّ القانون يمكن أن يلجأ إلى تمييز الجهة التي يعتقد أنها الأضعف في أي معادلة، وهو ما يسمى التمييز الإيجابي، لحماية الطرف الضعيف. لكن هنا نحن نعتمد التمييز السلبي ضدّ المرأة باستنادنا إلى قانوننا للأحوال الشخصية وقوانيننا الطائفية». أهم النقاط السلبيّة في مشروع القانون، بحسب صاغية، أو هي حتى «خطيرة» بحسب تعبيره هي أنّه لأول مرّة في القوانين اللبنانية، وبحسب صياغة المادة في المشروع، يُكرّس حق الجماع بين الزوج وزوجته وبذلك هو يجعل منه مفهوماً مدنياً، وهو بالتالي يشرّع عملية الاغتصاب عوض أن يعاقب عليها». ويضيف صاغية إنّ تكريس فعل المعاقبة على الزنى في مشروع القانون هذا أيضاً، يرتدّ على المرأة دوماً، بما أنّ الرجل يمكن أن يستعمله بسهولة لصالحه في مجتمعاتنا لمجرّد أنّها خرجت مع شخص لا يودّه.
لكن الكثير من المواد في القانون حمّالة أوجه. فبعضها إيجابي في حال عدم عرقلتها بحسب صاغية. مثلاً التدابير الحمائيّة للمرأة في مشروع القانون مهمة جداً، كما أنّ إنشاء قطعة متخصّصة بجرائم العنف الأسري لدى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، يراعى في تشكيلها أن تضم عناصر من الإناث، هي نقطة إيجابية في المبدأ. لكن صاغية يخاف هنا «أن ينتقل ما نعيشه مع القطع المتخصّصة في الأمن الداخلي إلى هذا القانون أيضاً. إذ أثبتت تجاربنا مع مكتب مكافحة المخدرات ومكتب حماية الآداب مثلاً أنّ التخصّص يساعد السياسيين على التدخّل في القطع المحددة». أمّا خطورة مشروع القانون في شقّ الحماية فهي أنه يطال حضانة الأطفال. إذ تقول المادة في مشروع القانون إنّ «أمر الحماية تدبير مؤقت يصدر عن المرجع القضائي المختص وفق أحكام هذا القانون بمناسبة النظر في قضايا العنف الأسري. يهدف أمر الحماية إلى حماية الضحية وأطفالها وسائر المقيمين معها من الفروع المعرّضين للخطر والمساعدين الاجتماعيين والشهود أو أي شخص آخر يقدم المساعدة للضحية وذلك لمنع استمرار العنف أو التهديد بتكراره. ويقصد بالأطفال، بمفهوم هذا القانون، أولئك الذين هم في حضانة الضحية وفق أحكام قوانين الأحوال الشخصية والقوانين المعمول بها». فسجّلت «كفى» ملاحظة على هذه المادة رأت فيها «أن قرار الحماية يجب أن يشمل جميع الموجودين أو المقيمين مع المرأة عند وقوع العنف بمن فيهم الأطفال لأنهم في هذه الحال يكونون عرضة للعنف أو شهوداً عليه. كما لا يمكن أن نسمح بالتراجع عما هو مقرّ في قانون الأحداث، ونحن نعلم أن قانون الأحداث يزعج المحاكم الشرعية والروحية وهي تحاول انتهاز فرصة هذا المشروع لاستعادة ما تم انتزاعه بواسطة قانون حماية الأحداث».