قالت مصادر مقرّبة من وزير المال محمد الصفدي إنه وقّع مشروع مرسوم استثنائياً لإحالة مشروع قانون فتح اعتمادات إضافية لتغطية عجز الرواتب والأجور وملحقاتها ومعاشات التقاعد لنهاية عام 2013 العائدة لمختلف الإدارات العامة بقيمة 900 مليار ليرة. ويُنتظر أن يوقّع رئيسا الوزراء والجمهورية هذا المرسوم لإحالته إلى مجلس النواب وإقراره. وقد بُني المرسوم الاستثنائي على أساس قانون موازنة عام 2005 وقانون رقم 238 الصادر في تشرين الأول 2012. البناء الأول، هو آخر قانون موازنة عامة أصدرها مجلس النواب، وبالتالي فإن الاعتمادات الواردة في هذا القانون تحدّد حجم الإنفاق القانوني وفق القاعدة الاثني عشرية في السنوات التي لم تصدر فيها الموازنة العامة، أي خلال السنوات التي تلت عام 2005. أما القانون الثاني، أي القانون 238، فقد حدّد قيمة الإنفاق الإضافي فوق المبالغ المذكورة في قانون موازنة 2005. وبموجب القانون 238، أتيح للموازنة العامة أن تنفق مبلغ 8315.2 مليار ليرة إضافية عن المبالغ المحدّدة بموجب موازنة 2005 لتصبح قيمة المبالغ الإجمالية التي حدّدت اعتمادات لصرفها 20 ألف مليار ليرة.
ويتضمن المشروع الحالي أمرين أساسيين؛ الأول، أن المشروع الحالي يطلب مبالغ بقيمة 900 مليار ليرة خلافاً لما قيل سابقاً عن أن حاجة الوزارة تبلغ 1200 مليار ليرة لتغطية عجز الرواتب والأجور. لكن بحسب المصادر، فإن الـ 900 مليار ليرة تمثّل التغطية اللازمة، فيما المبلغ الباقي، أي الـ 300 مليار ليرة هي ملحقات غير الرواتب والأجور لم تذكر لأن الوزارة اكتفت بما هو ضروري في هذا المجال.
أما الأمر الثاني، فهو يتعلق بكونه مرسوماً استثنائياً يثير إقراره الكثير من اللغط. فمثل هذا المرسوم يتطلب موافقة مجلس الوزراء، لكن المرسوم الذي وقّعه الصفدي أمس كان يحمل محل توقيعين لرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. فهذه الصيغة من المراسيم التي تُعرف بـ«المراسيم الجوالة» في ظل حكومة تصريف أعمال لا تعدّ دستورية. وبحسب رئيس مجلس الشورى السابق يوسف سعد الله خوري، فإنه «لا يجوز تجاوز شرط انعقاد مجلس الوزراء إلا إذا كان الظرف طارئاً جداً وجعل من إقرار المرسوم أمراً ضرورياً من شأن عدم إقراره شلّ المرفق العام. إلا أنه في مثل هذه الحالة، أي احتمال شلّ المرفق العام، فبإمكان مجلس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال أن يجتمع وأن يدرس ويتخذ قراراته بشأن المسألة المطروحة التي قد يؤدي تجاوزها إلى شلّ المرفق العام، وفي هذه الحال يصبح اجتماع مجلس الوزراء شرعياً ودستورياً... وبالتالي، فإنه لا يجوز إقرار المسائل التي تعدّ ضرورة قصوى مؤثّرة على المرفق العام بمراسيم عادية، فيما شرطها الأساسي أن يدرسها ويقرّها مجلس الوزراء».
طبعاً، في لبنان يمكن تجاوز كل القوانين والدساتير. كل البنود قابلة للتحوّل والتغيّر، وبدعة المراسيم الجوالة أصبحت عادة، تماماً كما أصبح عدم إقرار موازنات الدولة عادة منذ عام 2005. الخطأ يتعمق والعقدة تصبح أكبر كلما امتدت في الزمن. أما المسألة اليوم فهي ليست بيد جهة واحدة، فمن الواضح أن إقرار مثل هذه المراسيم يتطلب توافقاً سياسياً يتجاوز النصّ الدستوري، وهو توافق نابع من رغبة الجميع بإمرار ما يلزم من دون أن تقدم أي جهة طعناً ضدّ المرسوم الصادر. لكن الأمر مثير للسخرية عندما يتبينّ أن هذا التوافق لم يذهب في اتجاه انعقاد مجلس الوزراء طالما أن الجميع يرى «المرسوم الجوال» ضرورة.
والمعروف أن وزارة المال كانت تطلب إقرار قانون لفتح اعتمادات إضافية بقيمة 11561 مليار ليرة، لكن معارضة الرئيس فؤاد السنيورة قلّصت المبالغ إلى 8315.2 مليار ليرة أقرت بموجب القانون 238، وبالتالي لم يتمكن المبلغ من تغطية كامل نفقات الأجور والرواتب في القطاع العام، وخصوصاً بعدما أقرّ مجلس الوزراء إعطاء موظفي القطاع العام سلفة على زيادة غلاء المعيشة، فيما كانت هناك توظيفات جديدة تتم في هياكل القطاع العام.