لا تزال قضية «العرس الإمبراطوري» لنجل النائب السابق جبران طوق تتوالى فصولاً. آخر الأنباء الواردة من بشري تفيد بأنّ الناشط البيئي والطبيب يوسف طوق قد تعرض للضرب والتهديد من قبل ف. ط. على خلفية المقابلة الإعلامية التي أجراها مع المؤسسة اللبنانية للإرسال. يوسف طوق اعترض على الاعتداء الذي تتعرض له غابة الأرز في بشري، مثله مثل كثيرين هالهم أن يشاهدوا أعمال جرف وردم على تخوم الغابة لإقامة مدرجات استقبال لآلاف المدعوين لحفل زفاف العريس وليام طوق.
حاولت «الأخبار» الحديث مع يوسف طوق، لكن الأخير فضّل البقاء بعيداً عن الإعلام بعد تعرضه لحملة تهديد وشتم واسعة النطاق طاولت أسرته، ما دفعه إلى الطلب منهم مغادرة بشري خوفاً على حياتهم.
وتبين أن مجموعة «الشبيحة» التي تعرضت لطوق ترتبط مصالحها وتتشابك بما هو أبعد من حفل زفاف نجل النائب السابق. فقد سبق ليوسف طوق أن سلط الضوء قبل أسبوع على المرامل غير المرخصة التي أدت إلى ارتكاب مجزرة بيئية في وسط غابة الأرز والصنوبر في محيط بلدة بيت منذر – قنات – حدث الجبة. وقد جاءت حادثة الاعتداء على طوق في اليوم نفسه الذي وجه فيه وزير الداخلية والبلديات كتاباً إلى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، طالباً الكشف الحسي على موقع المرامل وتوقيف الأعمال فوراً واتخاذ التدبير المسلكي المناسب بحق المسؤول الذي مكن المخالف من ارتكاب مخالفته، الأمر الذي يشير إلى تورط القوى الأمنية في منطقة بشري بقبول رشى مقابل السماح باستخراج الرمول من داخل غابة الأرز ونقلها في الليل والنهار وعلى «عينك يا تاجر». وطلب شربل في كتابه التنسيق مع السلطة القضائية المختصة والعمل بإشارتها والإفادة عن النتيجة والإجراءات المتخذة في مهلة أقصاها يوم الأربعاء المقبل.
ويعيد حادث الاعتداء على يوسف طوق السيناريو نفسه الذي مورس بحق النشطاء النقابيين في شركة «سبينس» التي يرتبط بها النائب السابق جبران طوق بعلاقات نفعية. فمن حادث الضرب والتعدي على أمين سر النقابة مخيبر حبشي إلى صرف 4 من مؤسسي النقابة وتهديد عشرات العمّال والعاملات بلقمة عيشهم، يبدو أن الأسلوب الميليشياوي هو السائد ما دام صاحبه لا يتعرض للمسائلة والمحاسبة.
وكشفت الصور التي نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي أن أعمال الجرف والردم التي تطاول العقار الملاصق للغابة قد أدت إلى تغيير المعالم الجغرافية لمحيط الغابة وحولته إلى ما يشبه المقلع السابق، كذلك إن أعمال بناء المدرجات شملت صبّ الأسمنت، ما يشكل خرقاً فاضحاً لاتفاقية الحماية الموقعة بين لبنان ومنظمة اليونسكو.
وتعليقاً على إجراءات الزفاف والانتهاكات التي سببها للبيئة المحيطة، وصف المكتب الإعلامي للنائب السابق جبران طوق ما يجري بأنه عودة إلى الجذور والارتباط بالأرض، وأن البيوت البشراوية العريقة والأصيلة تحرص على أن تكون شريكة الأرض والبشر في المناسبات الكبيرة والصغيرة. وأضاف البيان: «حرص الشيخ جبران طوق على أن تشهد مدينة بشري زواج نجله وليام ضمن بيئته الحقيقية والطبيعية واستجابة لرغبة أبناء المنطقة، فاختار كنيسة الرب التي تشهد داخل الغابة المقدسة الكثير من المناسبات المماثلة، على أن يقام احتفال شعبي وفني لهذه الغاية في أرض خاصة يملكها أحد أبناء بشري بموجب مستند رسمي».
ووصف البيان جرف الأتربة بأنه أعمال الاستصلاح لإقامة جلول ومدرج فني في شكل هندسي مدروس حوّل المكان من مكب للنفايات إلى معلم جمالي أنيق ولافت. واللافت أن الصور التي أرفقها المكتب الإعلامي بيانه لا تظهر وجود نفايات في محيط الغابة كما يدعي، وهي إن وجدت، تشكل إدانة إضافية لبلدية بشري وللجنة حماية غابة الأرز التي يفترض أن تتعرض لمساءلة وزارة البيئة التي أوكلتها مهمة المحافظة على الغابة من التعديات، لكن وزير البيئة ناظم الخوري اكتفى بتصريح «الاستنكار والإدانة» لما يتعرض له «أرز لبنان». كلام الخوري الذي جاء خلال استقباله طلاب إحدى المدارس لم يسمِّ الأشياء بمسمياتها، ولم يشر من قريب أو بعيد إلى زفاق نجل النائب السابق والأذون التي حصل عليها متعهد أعمال الحفر والجرف، وليس مستبعداً أن يكون هذا المتعهد هو صاحب المرملة غير الشرعية في حدث الجبة.
صمت وزارة البيئة ترافق أيضاً مع صمت مطبق لوزارة الثقافة اللبنانية التي يفترض أن توافق أيضاً على أي أعمال منويّ القيام بها في محيط الغابة الخاضعة لوصايتها باعتبارها من الإرث الثقافي للبنان. لكن الوزير غابي ليون المشغول في التوقيع على أذونات تفكيك وجرف المواقع الأثرية في وسط بيروت لم يجد متسعاً من الوقت للتعليق على ما يجري في بشري.
وفي محاولة واضحة للالتفاف حول المخالفة التي ارتكبها، أعلن مكتب النائب طوق «استعداده للتداول مع صاحب العقار المعني لتقويم ما يمكن أن يكون قد نتج من عمليات الاستصلاح، ما قد يراه بعضهم تشويهاً أو ما شابه، ذلك من أجل تأهيل المكان من مقومات طبيعية وبيئيّة تتماشى مع المعايير التي تبقي الأرز ووادي قنوبين تحت رعاية المنظمات الدولية وحمايتها».
ويخضع وادي قنوبين وغابة الأرز في بشري المصنفان من قبل منظمة اليونسكو على لائحة التراث العالمي نظراً إلى أهميتهما الثقافية والطبيعية، لشروط تنموية صارمة؛ إذ يفرض التصنيف إنجاز الإنماء الاقتصادي للمنطقة عبر المحافظة على هوية المكان وعدم تغييرها أو المساس بها. لذا، فكل مشروع يجب أن توافق عليه المنظمة. ومنذ التصنيف سنة 1998، نجحت منظمة اليونسكو في منع أعمال توسيع طريق وادي قنوبين، لكنها اليوم تقف عاجزة أمام حفل تدمير محيط غابة الأرز.