برزت في السنوات الأخيرة ظاهرة الأعراس الجماعيّة ذات اللون الطائفي الواحد. وبصرف النظر عن الأهداف السياسية والانتخابيّة التي يصبو إليها رعاة هذه الحفلات وممولوها، يبدو أن التركيبة اللبنانية، على قاعدة 6 و 6 مكرر، لا تنسحب على مناسبات زواج اللبنانيين الجماعية. اللافت أنّ المتحمّسين لتنظيم مثل هذه الأعراس وتمويلها هم متموّلون يحاولون الدخول إلى العمل السياسي وهيئات دينيّة واجتماعيّة وتيارات وأحزاب سياسيّة بمختلف انتماءاتها؛ ففي الفترة الأخيرة عُقد قران 67 ثنائياً بنحو جماعي في مدينة بعلبك برعاية حزب الله. وفي صيدا نظّم تيار المستقبل «العرس الجماعي اللبناني – الفلسطيني» الذي ضمّ 62 ثنائياً، بينهم شابات وشبّان من مخيمات اللاجئين الفلسطينين.
للسنة الثانية على التوالي، اكتظ مسرح «بارك جوزف طعمة السكاف» في زحلة، بجموع المدعوين لحضور «العرس الجماعي المسيحي الثاني»، الذي احتُفل خلاله بمراسم إكليل 32 ثنائياً من أبناء قضاء زحلة ينتمون إلى مختلف المذاهب المسيحيّة، من بينهم 25 عسكرياً في الجيش اللبناني، وذلك بحضور أساقفة المدينة الذين ترأسوا القدّاس، بعدما جرى الاتفاق بينهم على توحيد الطقوس في هذه المناسبة. المكان نفسه كان قد شهد في العام الماضي عرساً جماعياً مماثلاً جمع بين 46 ثنائياً حضر معظمهم حفل هذا العام، مصطحبين معهم 15 مولوداً هم ثمرة زواج العام الماضي. راعي الاحتفالين، ميشال ضاهر، رفض الدخول في التفاصيل الماديّة، مكتفياً بالقول: «هذا أقل واجب أقوم به تجاه أبناء منطقتي». ورداً على سؤال، يشير رجل الأعمال إلى أنه في المناسبتين لم يعرض على شباب الطوائف الأخرى فكرة المشاركة في هذين الحدثين، واعداً بدرس هذه الخطوة في المستقبل، متمنياً التجاوب بهذا الشأن «إذا كان ذلك لا يتعارض مع إجراءات الزواج الشرعيّة التي تتبعها الطوائف غير المسيحية. وهذا ما يجيب عنه الشيخ حمزة شكر، قاضي محكمة عرسال الشرعيّة السنيّة، الذي قال لـ«الأخبار» إن الزواج هو سنّة كونيّة دعا إليها أصحاب الديانات السماويّة، ولكل منها قوانينها في إجراء عقود الزواج، أما بالنسبة إلى الاحتفال بمراسم الزواج، «فهذه عادات وتقاليد تختلف من بيئة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر، وليس من الدين بشيء، بل المطلوب إعلان الزواج كشرط لصحته»، موضحاً «أن لا مانع من الأعراس الجماعية بشرط مراعاة التقاليد وآداب الحشمة وتجنّب المحرمات». ورأى راعي أبرشيّة زحلة وبعلبك للموارنة المطران منصور حبيقة، أنه لا مانع من إقامة عرس جماعي في مكان واحد، يجمع بين أزواج ينتمون إلى مختلف الطوائف والمذاهب، «لكن ذلك يتطلب أن تجرى الطقوس والمراسم وفقاً لكل طائفة أو مذهب، وبشرط أن لا تخضع حفلات كهذه لسلطة دينية واحدة. أما بالنسبة إلى الترتيبات الأخرى، فليس جديداً أن يتشارك النسيج اللبناني في المناسبات الاجتماعيّة، وهناك تقارب كبير بينهم في العادات والتقاليد». القضية ليست فقط بجمع عرسان من طوائف مختلفة مسيحية وإسلامية، بل في امتناع الممولين عن تشجيع أعراس «الزواج المدني» كمساهمة في التغيير المطلوب. يقول ميشال ضاهر إنه مستعد لذلك، ولكن «بشرط أن يجرى هذا الزواج في لبنان وليس في قبرص أو أي بلد أجنبي آخر». لماذا هذه الـ«لكن»؟ يجيب: «أنا رجل علماني، لكنني لا أستطيع وحدي تغيير العقل اللبناني»! لا تحظى الأعراس الجماعية بقبول واسع، ولا سيما من الفتيات. تقول ماريا إنها ترفض الزواج بهذه الطريقة؛ «لأن الفتاة تحلم بهذه اللحظة المهمة طوال حياتها، ومن حقها الطبيعي أن تحظى بحفل زفاف تكون فيه وحدها محطّ أنظار الجميع». ولا تجد الطالبة الجامعيّة، ابنة الـ 22 عاماً، مشكلة اسمها «الكلفة المالية»؛ إذ يمكن إقامة حفل زفاف يقتصر على أقرب المقربين. ولا تتقبّل شانتال الفكرة «لطالما حلمت بليلة زفاف متميزة كبقية الفتيات، أكون فيها الملكة الوحيدة التي لا يشاركها فرحتها أحد، لذا لا أقبل بعرس جماعي حتى لو كان مجانياً». إلا أن شربل (25 عاماً) يتحمس للفكرة «مع أن ظروفي الماديّة مقبولة، ولكن ما يشدّني إلى هذه الفكرة هو مشاركة أكثر من 4000 مدعو ليكونوا شهود على عقد قراني بشريكة حياتي». وكذلك تتحمس نادين، قائلة: «أتمنى أن تكتمل سعادتي بعرس جماعي يشبه مسابقات ملكات الجمال».