في ذلك الممر الضيق المؤدي إلى ما يسمى «زنزانات» المساجين في سجن زحلة للرجال، ثمة مساحة صغيرة تفصل بين قضبان بوابة الامان الحديدية الداخلية، والبوابة المؤدية إلى مهاجع السجناء والموقوفين. إلى تلك البقعة الضيقة تحديداً، والتي لا تتعدى مساحتها المترين المربعين يدخل محقق الشرطة القضائية للاستماع إلى إفادة أحد الموقوفين في السجن. فبعيداً عن غرفة الحرس، لا وجود لمكان آخر في ذلك السجن المستحدث يمكن ان يحصل فيه المحقق على «شيء من السرية» في إفادة الموقوف، غير تلك البقعة التي تعتبر ممرا لكل السجناء. يخلو ذلك الممر من كرسي أو حتى طاولة صغيرة، الأمر الذي يحتاج إلى شيء من «الإبداع والارتجال»، «دلو بلاستيكي» يستعمله المحقق ككرسي له، في وقت يستخدم فيه «دلواً آخر كطاولة» (تسميكة) يسند إليه أوراق محضره الرسمي، للتمكن من الكتابة دون إحداث ثقوب في تلك الاوراق الرسمية. أما الموقوف فلا مشكلة في أن يمثل أمام المحقق ليدلي بأقواله وقوفاً، لتبدأ بعدها جلسة الاستماع وسط أصداء «هرج ومرج السجناء والسجّانين» بحسب ما يشرح التحري.
المشهد «المخزي والمخجل وغير اللائق» كما يصفه، يحصل يومياً، بالنظر إلى العدد الكبير للموقوفين في سجن زحلة، موضحاً أن عدداً من عناصر مفارز الشرطة القضائية، لا يلجأون للممر كمكان للاستماع لافادة الموقوفين، بل يعتمدون تارة على الباحة الخارجية، وتارة اخرى على غرفة حرس السجن التي تعج بالعناصر، وحينها «على سرية إفادات الموقوفين.. السلام» بحسب ما يقول.
وإذا كان هذا هو واقع سجن زحلة للرجال الذي استحدث منذ نهاية شهر آذار من العام 2010، فكيف بسجن بعلبك الذي يقبع في الطابق الأرضي لسراي بعلبك الحكومية؟ فهو يقبع تحت درج مكتب المالية ودائرة الأحوال الشخصية. غرفة للحرس وأربع غرف اخرى كـ«علب مقفلة مظلمة»، ولا مجال لوضع كرسي أو حتى دلو «للتحرّي» فالمكان يختنق اصلاً. غرف مظلمة تفتقد التهوئة، الأمر الذي يدفع برجل الامن والموقوف المطلوب الاستماع لإفادته، لمشاركة حرس السجن في غرفتهم الضيقة اصلاً، ويفترش سرير أحد عناصره كمكتب للتحقيق. و«الأنكى» بحسب «التحرّي» لحظات الاستماع إلى إفادة أكثر من موقوف في القضية نفسها، والتي يتطلب فيها «بعضاً من الحنكة والدهاء في الأسئلة، بقصد كشف ملابسات بعض الجرائم والإيقاع بالموقوف الآخر»، مؤكداً أن القيام بذلك «غير ممكن في سجني بعلبك وزحلة» لغياب غرف التحقيق.
أحد المسؤولين الأمنيين لا ينفي لـ«الأخبار» الصعوبات التي يواجهها رجال الضابطة العدلية عند الاستماع إلى إفادة الموقوفين في هذين السجنين، والتي تتطلب بحسب رأيه «الكثير من السرية والدقة بهدف تحصيل أكبر قدر ممكن من المعلومات التي تكشف بموجبها سائر الجرائم من المنفذين إلى الشركاء والمتدخلين والمحرضين». وعلى الرغم من أهمية ذلك إلا أن المسؤول الأمني يؤكد «عدم وجود خيارات أخرى متاحة». لا يقتصر الأمر على غرف تحقيق فحسب، فالاكتظاظ الذي يشهده سجن زحلة يعتبر مشكلة، حيث يفوق عدد المساجين والموقوفين فيه الـ 700 (قدرته الاستيعابية القصوى 450)، في حين يبلغ عددهم في سجن بعلبك 95 (قدرته الاستيعابية القصوى 60).