في ١٥ تموز الماضي، حرّر عنصرٌ من فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي تقريراً بمخالفة بناء في منطقة الأشرفية. المخالفة المضبوطة كانت عبارة عن طبقتين كاملتين أُضيفتا من خارج رُخصة البناء، باعتبار أن الترخيص الممنوح من قبل البلدية يُجيز تشييد خمس طبقات فقط. لكنّ مالك العقار (رقم ٦٨٢ ـــ الأشرفية)، الذي تبيّن بالصدفة أنّه وزير العدل السابق ابراهيم نجّار، استغلّ أعمال الترميم التي يُجريها وشيَّد طبقتين إضافيتين. وإضافة طبقتين في منطقة الأشرفية تعني إضافة ملايين عدة من الدولارات إلى الجيبة.
فُتح تحقيق داخل مديرية قوى الأمن الداخلي لتحديد المسؤول عن إمرار المخالفة. جرى الاستماع إلى آمر الفصيلة المقدّم جورج خير الله، المقرّب من حزب القوّات اللبنانية. كما استُمع إلى إفادة عدد من الرتباء والعناصر في فصيلة الأشرفية. وبما أنّ المخالف وزير عدل سابق، والمسؤول عن الفصيلة ضابطٌ صاعد مدعوم سياسياً من الفريق نفسه الذي ينتمي إليه الوزير، خلص التحقيق إلى تحميل رتيب البناء المسؤولية الكاملة عن كل الإهمال والتقصير. وفي هذا السياق، علمت «الأخبار» أن رتيب البناء في الفصيلة المذكورة المؤهل أول ريمون أطرم عوقب بتوقيفه مسلكياً لمدة عشرين يوماً في ثكنة الحلو، علماً بأنه يتردد في أروقة الفصيلة أن المقدم خير الله نفسه كان قد «أوصى» الرتيب بعدم الاقتراب من المخالفة المذكورة. ولكن، كيف يُعقل أن تشيّد طبقتان كاملتان مخالفتان في وضح النهار، ويجرؤ مجرّد رتيب أن يتكتم عليهما من دون إعلام آمر الفصيلة.
ولم يكد ينقضي أسبوعان على انتهاء التحقيق، حتى خرجت تشكيلات الضبّاط في قوى الأمن الداخلي، في الثالث من الشهر الجاري، لتكرّم المقدم خير الله بتسليمه منصب رئيس فرع المعلومات في البقاع. وبما أن الأفراح تأتي تباعاً، أقام الضابط سهرة احتفالية لمناسبة تسلّمه المنصب الجديد، جاءت بعد مرور نحو شهرين على زواجه. أما فصيلة الأشرفية، فتولّى إمرتها النقيب بشير عبود.
«الأخبار» اتّصلت بالمقدّم خير الله للوقوف على حيثيات المخالفة، لكنّه رفض الإجابة محيلاً المتابعة الى شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي. كذلك فعل رتيب البناء المؤهل أول أطرم الذي رفض التجاوب كليّاً، رغم تأكيد زملائه لـ«الأخبار» أنّه تظلّم لدى قائد شرطة بيروت الحالي العميد ديب الطبيلي جرّاء معاقبته من دون وجه حق.
وفي السياق نفسه، ولدى الاتصال بوزير العدل السابق البروفسور ابراهيم نجّار، أكّد حصول مخالفة البناء المذكورة، وقال لـ«الأخبار» إنه جرت تسويتها قانونياً. ولفت نجّار إلى أن المخالفة شُيِّدت بسبب تأخّر حصوله على الترخيص المطلوب، مشيراً إلى أنّ المهندس دفع الرسوم المطلوبة وأنجز الرخصة. وفي حيثيات المخالفة، ردّ نجّار بأن المخالفة شُيِّدت من دون علمه، ملقياً باللوم على المهندس. وكشف نجّار أنّ «المهندس المسؤول عن البناء ربما يكون قد عقد اتفاقاً مع آمر الفصيلة المذكور بغية إمرارها، لكن قطعاً من دون علمي».
في موازاة ذلك، علمت «الأخبار» من مصادر مطّلعة على الملف أنّ «مخالفة البناء المذكورة لم تُسوَّ حتى الآن». وأشارت المصادر إلى أن «وكلاء العقار المخالف يعملون من أجل تحصيل الترخيص، لكن الأمر لم يُنجز بعد». وعلى ذمّة المصادر نفسها، فإن «مسألة تسوية البناء المخالف يجري تسويقها للتغطية على المخالفة حتى صدور الرخصة المنتظرة».
تجدر الإشارة إلى أن المقدّم خير الله الذي احتكر إمرة فصيلة الأشرفية لأكثر من ثماني سنوات، كانت قد أُثيرت حوله قضية مماثلة قبل نحو سنتين، إذ كانت تربطه علاقة صداقة بمالك شركة لوحات إعلانية، وتردد أن الضابط كان يسمح بإبقاء اللوحات الإعلانية المخالفة التي تخصّ صديقه. وزاد الطين بلّة يومها ادّعاء أحد مالكي شركات لوحات الإعلانات أنّه دفع مالاً على سبيل الرشوة لصديق آمر الفصيلة لإمرار لوحات مخالفة. يومها، فتح قائد شرطة بيروت آنذاك العميد نبيل مرعي تحقيقاً في المسألة، لكنه ما لبث أن أقفل من دون التوصّل إلى نتيجة.
مخالفة القانون موهبةٌ لبنانية. يتبارى فيها المواطنون، فيكسب الرهان أكثرهم قدرة على شراء الذمم. لكن، أن يتورّط وزير العدل وقصور العدل في مخالفة بناء، فتلك مصيبة. وأن تُلقى المسؤولية ظُلماً على رتيب في قوى الأمن الداخلي، ويُبرّأ الضابط المسؤول عنه وينال ترقية، فيما يُدكّ الرتيب في السجن لمدة عشرين يوماً، فتلك مصيبة أكبر. أما أن يحصل كل ذلك من دون أن تتم إزالة المخالفة، فذلك يدعو الأهالي في منطقة الأوزاعي إلى التظاهر لمطالبة الدولة اللبنانية بالتعويض عن مئات مخالفات البناء التي تمت إزالتها.
في القرى، يقال إن «الثلم الأعوج من الثور الكبير». قولٌ يصلح إسقاطه لبنانياً بحرفيته. ففي الحراثة تقع مسؤولية الاعوجاج على «الثور الأكبر». أما في السياسة والإدارة، فيتحمّل وزر كل كبيرة أو صغيرة، حُكماً، إما سياسي وإما مدير.



الوزير المحامي

وفقاً للتقاليد، فإن أي وزير عدل حين يكون محامياً، تكون أول زيارة يقوم بها بعد صدور مرسوم تعيينه هي لنقابة المحامين لطلب تعليق انتسابه الى النقابة ما بقي في منصبه وزيراً. هكذا يفعل معظم وزراء العدل الذين يبلغون النقابة إقفال مكاتبهم أيضاً. لكن يُسجّل للوزير السابق إبراهيم نجّار الذي قصد نقابة المحامين فعلاً بعد تكليفه بالوزارة، أن مكتب المحاماة التابع له استمر في العمل بنحو طبيعي واعتيادي. وكانت الأوراق القانونية التي يتقدم بها المحامون العاملون في مكتبه تحمل اسم المكتب، وهو ما يعدّه قانونيون ضغطاً معنوياً على القضاة الناظرين في قضايا يكون مكتب المحاماة العائد لوزير العدل تحديداً ممثلاً لطرف فيها. وقد سجّل نجّار سابقة في هذا الخصوص.