مسلسل التحقيق في تفجيري طرابلس لم ينته بعد. القاضي صقر صقر و«فرع المعلومات» مُصرّان على النفخ في بالون المشتبه فيهم. ورغم أنّه لم يثبت بالدليل القاطع تورّط أي من الموقوفين، يبدو أنّ القائمين بالتحقيق يجهدون لتكبير الحجر الذي إن لم يصب مقتلاً في خصمهم، فإنّه سيجرحه على الأقل.
ليل أوّل من أمس، اتّصل أحد المحققين في فرع المعلومات برئيس مجلس قيادة حركة التوحيد الشيخ هاشم منقارة، المنشق عن «حركة التوحيد الإسلامي» التي يقودها الشيخ بلال شعبان، يبلغه فيه بوجوب الحضور إلى مقرّ فرع المعلومات المركزي. ترافق الاستدعاء مع حادثة مشبوهة. فقد انتشرت ليلاً على الجدران في أزقة طرابلس مناشير تحمل عنوان «لا لعملاء النظام السوري في مناطقنا»، تضمّنت اتهاماً للشيخ منقارة بأنه «المخطط والمحرّض بعدما أثبت التحقيق أنّ أتباعك هم الفاعلون». كما طالبوا «بطرده من مناطقنا وعدم السماح بوجوده». وذُيّل البيان بتوقيع «أهالي الشمال».
وأمس حضر الشيخ منقارة، واستمع اليه المحققون. لكنّ المفاجأة كانت إشارة مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر بتوقيفه بتهمة «كتم معلومات لديه عن الأجهزة الأمنية حول تفجير المسجدين». وفي هذا السياق، علمت «الأخبار» أنّ الشيخ الموقوف أحمد الغريب أصرّ على أنّه أبلغ منقارة بمعلومات لديه عن اتّجاه لحصول تفجيرات في الشمال. وهنا برزت روايتان متقابلتان، تختلف عن باقي الروايات التي تعددت حتى ضاعت الحقيقة. في الأولى، تكشف مصادر مطّلعة على التحقيق أنّ الغريب أبلغ الشيخ منقارة منذ ستة أشهر بأنّ ضبّاطاً سوريين طلبوا إليه جمع معلومات عن اللواء أشرف ريفي وكل من الشيخين سالم الرافعي وبلال بارودي، لكنّ الأخير طلب إليه إهمال طلبهم ونسيان الموضوع برمّته. إثر ذلك، تحادث الغريب مع صديقه مصطفى الحوري، فأسرّ إليه بمضمون كلامه مع منقارة. عندها، حمل حوري المعلومات إلى اللواء ريفي الذي أحاله على فرع المعلومات. استمع أحد الضبّاط إليه، طالباً إليه محاولة استدراج الغريب للحديث مجدداً وتسجيل صوته. أراد المحققون تكرار تجربة ميلاد كفوري الذي تمكن من «جرجرة» الوزير السابق ميشال سماحة وتسجيل أحاديث أثبتت تورطه في ما بعد، لكنّ خطّتهم لم تنجح هذه المرة. تنطلق المصادر من هذه الواقعة مبدية استغرابها لتوقيف منقارة بناء على هذه الحادثة.
غير أن الرواية الثانية تنطلق من فرضية «تورّط النظام السوري في التفجيرين كمسلّمة». وتروي مصادر في تيار المستقبل لـ«الأخبار» تفاصيل الرواية، مشيرة إلى أنّ «ضبّاطاً في النظام السوري نفّذوا التفجيرين». وتؤكد هذه الرواية أن «الشيخ الغريب كان على علم بالمخطط أثناء تحضيره وقبل التنفيذ»، مستندة إلى معلومة تُفيد بأنّ «الغريب ومنقارة التقيا ضابطاً سورياً في هذا الخصوص». وتعزو المصادر نفسها سبب تأخير توجيه الاتّهام إلى بعض الحلقات المفقودة التي يُحاول المحققون إيجادها، مشيرة إلى أن الساعات المقبلة لدرس الملف وختم التحقيق. وقد ترددت معلومات أن القاضي صقر ختم التحقيق مع منقارة على أن تحال محاضر التحقيق الأولي مع الموقوفين مصطفى حوري والشيخ أحمد الغريب والشيخ منقارة للادعاء عليهم، وعلى كل من يظهره التحقيق في جريمة تفجير المسجدين في طرابلس.
في موازاة ذلك، علم أنّه سُمح للشيخ الغريب بالاتّصال بعائلته أمس. وذكر أحد أفراد العائلة أن «الشيخ اتّصل بنا يطمئننا عن حاله ويطمئن عنّا وحلف يميناً معظّماً أنّ لا علاقة له بالتفجيرين لا من قريب أو بعيد». ودعى أفراد عائلته إلى الصبر كما هو صابر.
من جهة أخرى، توقّف كثيرون عند الحملة الإعلامية المنظّمة التي تواكب التحقيق لحظة بلحظة. وكشفت مصادر لـ«الأخبار» أن القاضي صقر وجّه نوعاً من اللوم إلى رئيس شعبة المعلومات عماد عثمان بشأن ضبط تسريب معطيات التحقيق لوسائل الإعلام، علماً أنّ معلومات أمنية استغربت ذلك متهمة صقر نفسه بتسريب المعلومات لإحدى الوسائل الإعلامية.
وتجدر الإشارة إلى أنّ وكيل الشيخ منقارة، المحامي ابراهيم الأيوبي، تحدث عن حملة أمنية وسياسية تُشنّ على موكله نتيجة مواقفه، موضحاً أن «الشيخ نزل بنفسه إلى فرع المعلومات». واستغرب الأيوبي خرق سريّة التحقيق بالمعلومات المتضاربة التي تُسرّب لوسائل الإعلام. وذكر الأيوبي أن منقارة أوقِف نتيجه «كتمه معلومات عن تفجيري طرابلس»، فنفى أي احتمال أن يكون موكّله على علم بهذه التفجيرات.
وكان المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي قد صرّح بأن المخبر مصطفى حوري حضر إلى منزله قبل نحو شهر وأخبره أن اللواء السوري علي مملوك بصدد تنفيذ تفجيرات في طرابلس، بالتعاون مع الشيخ الغريب. فأحاله على فرع المعلومات لمتابعة التحقيقات. وأشار ريفي إلى وجود معطيات في التحقيق تؤكد ضلوع النظام السوري في انفجاري طرابلس.
وفي وقت متأخر ليل أمس، أصدرت عائلة الموقوف الغريب بيانا استنكرت فيه «الجريمة النكراء جراء التفجيرين اللذين ضربا طرابلس». ووضعت العائلة قضية الشيخ الغريب في عهدة القضاء المختص، معلنة تبرؤها منه في حال ثبت أنّه متورط في ما نُسب إليه من تهمة المشاركة في التفجيرين. وطالبت باتخاذ الاجراءات اللازمة بحقه. وناشدت العائلة وسائل الإعلام عدم استباق التحقيق وتوخي الحذر في نشر معلومات مغلوطة حفاظاً على أمن واستقرار الناس.
وفي المشهد الأمني، ترددت معلومات أن المشتبه فيهم في تحضير سيارة الناعمة المفخّخة، محمد أ. وسعيد ب. وأحمد س. دخلوا إلى مخيم عين الحلوة في صيدا. وقد قابلتها معلومات أمنية تُفيد بأنهم دخلوا من حي التعمير في اتجاه حي الطوارئ منذ ثلاثة أيام. كذلك أوقفت الجمارك مسافرين في المطار بحوزتهم أجهزة اتصال غير مرخصة وأعتدة عسكرية. وذكرت المعلومات أن عدد الموقوفين في مطار بيروت بلغ خمسة من جنسيات فرنسية ونروجية وكندية. وقد باشرت القوى الامنية تحقيقاتها مع الموقوفين لمعرفة وجهتهم ووجهة استخدام التجهيزات التي بحوزتهم، علمًا أنها تتضمن كاميرات متطورة بإمكانها البث مباشرة عبر الأقمار الاصطناعية.
على صعيد أمني آخر، تتابع مديرية الاستخبارات في الجيش تحقيقاتها مع عناصر «خلية بلونة» المتهمة باطلاق الصواريخ على اليرزة ومحيط القصر الجمهوري في حزيران الماضي. وبنتيجة ما ادلى به الموقوفون دهمت وحدة من فرقة المكافحة في المديرية، توجهت من بيروت، منزلا في طرابلس قرب سوبر ماركت ابو خليل واعتقلت شخصا سوريا لعلاقته بالخلية.




لا لعملاء النظام السوري في مناطقنا


وزعت في طرابلس ليل أول من امس منشورات على شكل قصاصات ورق تضمنت الآتي: «إلى أهالي الشهداء وأهالي الجرحى وأهلينا العُزّل في طرابلس الأبية. بعدما تبين من وراء هذا الفعلة الشنعاء في مدينتنا، إننا نقول لأمثال الشيخ هاشم منقارة، ونأسف لتسميته بشيخ لأن كلمة شيخ لا تليق إلا بإنسان ذي خلق عظيم، فإن أتباعك الذين هم موقوفون لدى أجهزة الدولة، والذين أثبت التحقيق أنهم هم الفاعلون. فإنك بدورك تكون أنت المخطط والمحرّض. وبما أنك أنت الناطق الرسمي على صعيد الشمال باسم حزب الشيطان، ليس لك وجود في مناطقنا ولا حتى احترام بين المسلمين. لهذا فإن أهالي الشمال عامةً، وأهالي طرابلس والميناء خاصة، يمنعونك من التواجد في أماكنهم لأنك بتّ مسيلمة الكذّاب.
أهالي الشمال