التحدّي الكبير في قضية النازحين السوريين في لبنان يكمن في ان الحدّ من تدفقهم إلى لبنان غير ممكن، فيما البنية التحتية لم يعد بإمكانها احتمال الطلب الزائد الناتج منهم. هذه خلاصة التقرير الذي عرضته منظمة «اسكوا» في تقريرها الدوري «المسح الاقتصادي والاجتماعي في المنطقة العربية 2012 – 2013»، لكن هذه الخلاصة تأتي في ظل ظروف صعبة تشهدها الدول العربية. صحيح أن تلك المجاورة لسوريا تشعر بتداعيات الأزمة هناك، إلا أن للدول العربية أزمات كافية لإغراقها. أكبر الأزمات إلى جانب الأزمة السورية، وفق التقرير، هي أزمة سوق العمل العربي.
في دلالة واضحة على حجم الأزمة التي تعانيها اقتصادات الدول العربية، يشير تقرير الـ«اسكوا» إلى أن أكثر من 20 مليون عربي عاطلون من العمل. هذه التقديرات التي تتبناها «اسكوا» استناداً إلى أرقام منظمة العمل الدولية ليست سوى نتائج المظاهر الغريبة التي تنتجها الاقتصادات العربية. فبحسب «اسكوا» فإن نمو الناتج المحلّي لا تقابله زيادة في التشغيل في العالم العربي، بل إن الأمرين مختلفان عن بعضهما بعضاً، خلافاً لمنطق الاقتصاد. والظاهرة الأكثر شيوعاً في البلدان العربية هي أن أكثر من 40% من اليد العاملة العربية تعمل في القطاعات غير النظامية. فمعظم الاقتصادات العربية تتسم بقدر كبير من التجزئة، وبدرجة عالية من التناقض في تركيبة الاقتصاد وتركيبة التشغيل، فالقطاعات الاقتصادية التي تسهم بأكبر حصّة في الناتج المحلي الإجمالي، مثل الغاز والنفط، لا تؤمن سوى نسبة قليلة من فرص العمل، أما القطاعات التي لا تسهم سوى بنسبة قليلة في الناتج المحلي مثل البناء والسياحة وغيرهما من الخدمات، فتؤمن أكبر نسبة من فرص العمل، والحصيلة انقسام واضح بين أجزاء صغيرة في القطاعين العام والخاص، وبين أجزاء كبيرة وضخمة تستوعب قوى عاملة غير ماهرة منخفضة الانتاجية والقيمة المضافة في ما يعرف بالوظائف غير النظامية. وتُجمع آخر التقديرات على أن القطاع غير النظامي «مصدر لثلث الناتج المحلي الإجمالي، وثلثي فرص العمل. والبيانات المتوافرة عن الاردن والإمارات العربية وسوريا وفلسطين ومصر تشير إلى ان متوسط الأجور في القطاع العام أعلى منه في القطاع الخاص، ولا سيما عندما تحتسب معدلات الأجور في القطاع الخاص غير النظامي».
أما في لبنان ومصر، فيصل حجم الهوّة الفاصلة بين القطاع النظامي والقطاع غير النظامي، إلى 30%، ويصل إلى 50% في حالة المرأة في مصر.
أما انتاجية العمل في البلدان العربية، فهي متدنية بصورة معاكسة لمعدلات النموّ المسجّلة في هذه البلدان. وتقول «اسكوا» إن اساس المشكلة يكمن في سرعة نموّ الطلب على العمل، في وقت تتراجع فيه قدرة الاقتصاد على توليد فرص العمل «وفي الواقع فإن نموّ معدلات البطالة يتسارع في البلدان العربية. فعلى مدى السنوات العشر المقبلة تحتاج البلدان العربية إلى أكثر من 1.5 مليون فرصة عمل إضافية سنوياً لاستيعاب الوافدين الجدد إلى سوق العمل، والتحكّم في معدلات البطالة».
وتقترح «اسكوا» توجيه عملية الاصلاح في الأجل القصير نحو زيادة محتوى النمو من فرص العمل بالعدد المطلوب والنوعية المرجوة. اما على الأجل الطويل، فيمكن أن تسهم التغيّرات السياسية والاجتماعية في تمهيد الطريق نحو إيجاد حلول للتحديات الاقتصادية والاجتماعية العميقة الجذور التي تواجه البلدان العربية.
وكان واضحاً، بحسب التقرير، أن الدول العربية تسجّل أكبر نسبة بطالة بين النساء في العالم، إذ يمثّلن «40% من مجموع العاطلين من العمل، مقابل 25% من القوى العاملة». ويشار إلى أن انخفاض معدل مشاركة المرأة في القوى العاملة هو «من المعالم السائدة في البلدان العربية».
وأظهر مسح اسكوا إن «الشباب هم الضحية الأولى للبطالة في المنطقة العربية». ويضاف إلى ذلك أن الطلب على اليد العاملة الماهرة يشهد ضعفاً في الدول العربية، «وعندما يحسب محتوى المعرفة والانتاجية في قطاعات مثل البناء والتجارة والنقل تنخفض أرقام الإنتاجية إلى مستويات متدنية». وفيما تظهر البيانات أن نسبة تراوح بين 45و55% من القوى العاملة الناشطة في العراق وفلسطين ومصر واليمن تعمل دون المستوى المتوسط للإنتاجية، تولد الصناعات القائمة طلباً مرتفعاً على العمال من ذوي المهارات المنخفضة، بحيث يبدو غير مفاجئ أن تكون البطالة في البلدان العربية على قدر من الارتفاع بين الشباب من ذوي التحصيل العلمي.
ويظهر أن نسبة الحدّ الأدنى للأجور إلى القيمة المضافة للعامل الواحد مرتفعة نسبياً في معظم الدول العربية، أي إن الأجور منخفضة في هذه المنطقة، وهذا الأمر هو مصدر التنافسية في سوق العمل العربية.