تجددت الاشتباكات بعد ظهر أمس على كافة المحاور بين جبل محسن وباب التبانة في طرابلس، واستمرت حتى فجر اليوم، وأوقعت عدداً من الجرحى وأضراراً في الممتلكات، فيما تولى الجيش الرد على مصادر النيران. وكان الهدوء الحذر قد سيطر على المدينة بعد ليلة من الاشتباكات العنيفة على كل المحاور سقط خلاها قتيلان و20 جريحاً. هذه الاشتباكات التي تشتد يوماً بعد آخر في عاصمة الشمال، تأتي بعد نحو أربعة أشهر من الهدوء الذي سيطر على محاور القتال. وتجزم مصادر سياسية وأمنية رسمية بأن التهدئة التي عاشتها المدينة خلال الأشهر الماضية كانت نتيجة توافق إقليمي «عُقِدَ» بعد انتهاء معركة القصير وسماح الجيش السوري بنقل الجرحى المقاتلين من القصير إلى لبنان. وترى المصادر أن هذا التوافق سقط على مراحل، بدأت بتفجيري طرابلس ثم بزيادة الانكفاء القطري عن العمل الميداني في سوريا، وجرى تتويجه بـ«التمرد» السعودي على أي توجه نحو عقد تسوية في أي دولة من دول المشرق العربي. وتخوفت المصادر من استمرار الاشتباكات بعنف، وخاصة مع توافر معلومات عن نقل كمية كبيرة من الذخائر إلى عاصمة الشمال خلال اليومين الماضيين.
من جهته، أوضح الأمين العام للحزب العربي الديموقراطي رفعت عيد، أن «الحزب حتى الساعة لم يشارك في المعارك، وأعطينا أمراً بعدم المشاركة فيها، لكن ما يحصل هو على صعيد الأفراد، فهناك شخص مات ابنه مثلاً، أو شقيقه، فما الذي يمكنني فعله في مثل هذه الحالة؟ لا شيء». وتوقع أن يمتد التوتر إلى البقاع.
في المقابل، طالب «اللقاء الوطني الإسلامي» رئيس الجمهورية ميشال سليمان بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة بـ«اتخاذ الإجراءات الصارمة التي تضع حداً فورياً لاعتداءات عصابة ثكنة الأسد في جبل محسن». ورأى اللقاء «أن ردود فعل أهلنا في المناطق الشعبية نابعة من شعور بالغبن الأمني والإنساني والاجتماعي، ما يوجب على الدولة القيام بواجباتها تجاه طرابلس وأهلها، أقله على صعيد دفع تعويضات الهيئة العليا للإغاثة».
وكان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قد انتقل أمس إلى طرابلس، حيث عقد سلسلة اجتماعات سياسية وأمنية، تابع خلالها الوضع الأمني في طرابلس ومعالجة الاشتباكات التي تشهدها المدينة منذ يومين.
من جهته، رأى مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار، بعد استقباله ميقاتي، أن حسم الجيش وقوى الأمن الداخلي الوضع في طرابلس «أياً كانت نتائجه، فهو أفضل الحلول وأقلها خسارة؛ لأن المواطنين لم يعودوا يحتملون هذا القلق والذعر الذي ينتاب المدينة بين كل فترة وفترة».
ووسط هذه الأجواء الساخنة، حذر مدير الاستخبارات السعودية السابق الأمير تركي الفيصل من أن «لبنان بات على حافة حرب أهلية مع مواصلة حزب الله تطبيق أجندته الخاصة». وقال في محاضرة ألقاها في مؤتمر عربي - أميركي، إن «السعودية تؤمن بوجوب فرض القانون في لبنان ودعم كافة الجهود الرامية إلى وقف تدخل حزب الله في سوريا وجلب قادته المشتبه بتورطهم في اغتيال الرئيس رفيق الحريري إلى المحكمة».
على صعيد آخر، أرجأ رئيس المجلس النيابي نبيه بري، إلى العشرين من شهر تشرين الثاني المقبل الجلسة التشريعة، رغم توافر النصاب القانوني لعقدها أمس، لكن خارج قاعة الهيئة العامة.
وكانت أروقة المجلس قد شهدت حركة مكوكية بين النواب واتصالات ولقاءات لم تصل إلى نتيجة، وكثف بري اتصالاته لتأمين «الجو الميثاقي»، لكن رفض نواب كتلة «المستقبل» حضور الجلسة دفعه إلى التأجيل الخامس للجلسة مع جدول أعمالها الخلافي.
وتابع بري مع النواب في لقاء الأربعاء الأسبوعي الأوضاع العامة والأجواء التي ترافقت مع جلسة مجلس النواب أمس، ولا سيما ما يتعلق بالجهود التي بذلها ويبذلها من أجل وقف مقاطعة جلسات مجلس النواب من بعض الأطراف. ونقل النواب عنه «أن أخطر ما نمر به هو الاستمرار في سياسة المقاطعة التي لا تصيب المجلس النيابي فحسب، بل تضر بالبلاد وبمصالح اللبنانيين»، داعياً إلى الإقلاع عن هذه السياسة والتعاطي مع المرحلة الدقيقة بإيجابية وانفتاح وحوار.
لكن اللافت كان حضور النائب المنتمي إلى قوى 14 آذار روبير غانم، الذي رأى أنه «لا يجوز الربط بين الحكومة والعمل التشريعي كي لا تعطي الحكومة مبرراً لتعطيل عمل المجلس لاحقاً». ولفت إلى أنه سيوجه الدعوة قريباً إلى عقد جلسة للجنة الإدارة والعدل للبدء في درس قانون جديد للانتخابات انسجاماً مع مطلب بري.

ملف المطرانين

على صعيد آخر، تابع المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، ملف المطرانين المخطوفين بولس يازجي ويوحنا إبراهيم، والتقى لهذه الغاية الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق.
وحضر الملف في لقاء أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي في الدوحة. ووعد تميم الراعي ببذل كل ما في وسعه لحل قضية المطرانين.
من جهة أخرى أفرجت السلطات السورية عن 62 سجينة ضمن الصفقة التي أُبرمت وأدت إلى تحرير المخطوفين اللبنانيين في اعزاز. وقد وصلت المخطوفات إلى منطقة المصنع الحدودية ليل أمس، لكن السيارات التي تقلّهن عادت أدراجها نحو دمشق، من دون نزول أي سجينة منها.
وشنت الأمانة العامة «لقوى 14 آذار» هجوماً عنيفاً على جهود اللواء إبراهيم التي أدت إلى تحرير المخطوفين اللبنانيين، ورأت أنّ «هذه الدولة التي تلتقي علي المملوك وتفاوضه أو تشكره، وهو متّهمٌ من قضائها العسكري ومدانٌ من مجتمعها المدني، ليست بدولة تحترم نفسها أو تحترم مواطنيها».