أعلن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أنه تقرر في الاجتماع الذي عقده مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان وقائد الجيش العماد جان قهوجي في القصر الجمهوري في بعبدا أمس «تكليف الجيش اللبناني باتخاذ التدابير اللازمة لتنفيذ تعليمات حفظ الأمن في طرابلس لمدة ستة أشهر، ووضع القوى العسكرية والقوى السيارة بإمرته، إضافة الى تنفيذ الاستنابات القضائية التي صدرت والتي ستصدر». ونفى تحويل المدينة منطقة عسكرية. وقبل الاجتماع أكد ميقاتي أنه «ستتخذ إجراءات أمنية جديدة على الأرض، خلال 48 ساعة، لوضع حد للأحداث الأليمة في طرابلس».
كذلك اجتمع مجلس الأمن الفرعي في الشمال برئاسة محافظ الشمال ناصيف قالوش لبحث الوضع المتفجر في طرابلس، فيما أعلنت قيادة الجيش ــ مديرية التوجيه أن وحدات الجيش واصلت تعزيز إجراءاتها الامنية في المدينة، من خلال تسيير دوريات وإقامة حواجز تفتيش، والرد على مصادر القنص، وإزالة الدشم المستحدثة، كذلك دهم أماكن تجمع المسلحين، ما أدى إلى ضبط أسلحة حربية خفيفة ومتوسطة وذخائر وأعتدة عسكرية متنوعة، إضافة الى عدد من أجهزة الاتصال اللاسلكية. إلا أن الاشتباكات تجددت عصر أمس بعد هدوء شهدته المحاور قبل الظهر خرقته رشقات نارية محدودة ورصاص القنص الذي أبقى الطريق الدولية بين طرابلس وعكار مقطوعة. ودارت أعنف الاشتباكات على محاور الملولة والمنكوبين، موقعة المزيد من الضحايا، ليرتفع العدد إلى 13 قتيلاً ونحو 95 جريحاً.
وإلى جانب العدد الكبير للضحايا، تميزت الجولة الـ18 من الاشتباكات بانفجار الصراع المكتوم بين ميقاتي والمدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، وخروجه إلى العلن.
لم تكن العلاقة بين الرجلين على ما يرام منذ تكليف ميقاتي تأليف الحكومة في مطلع عام 2011 بعد إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري. رغم ذلك لم تقطع شعرة معاوية بينهما. فهما من مدينة واحدة، كما أن لميقاتي الفضل في تعيين ريفي مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي خلال ترؤسه حكومته الأولى عام 2005.
حتى استقالة ميقاتي قبل نحو تسعة أشهر كانت بسبب رفض الأغلبية الوزارية التجديد لريفي، ما حدا بالأخير إلى زيارة رئيس الحكومة في منزله في طرابلس وسط الحشود، تعبيراً عن تضامنه معه وردّ الجميل له.
لكن الأيام التالية حملت تطوراً سلبياً لافتاً في العلاقة بين الرجلين لأسباب لم تتضح. فقد شرعت ألسن البعض في طرابلس بتناقل انتقادات حادة يطلقها ريفي بحق ميقاتي في ما يخص سياسة الحكومة تجاه طرابلس وطريقة مقاربتها الوضع الأمني فيها، فهمت للوهلة الأولى أنها محاولة من ريفي لإيجاد «موطئ قدم» سياسي في طرابلس، فكان الهجوم على ميقاتي، برأيه، مدخلاً إلى ذلك.
سرعان ما بدأت الأمور تتضح من خلال التسريبات والتسريبات المضادة من الطرفين، وتفيد بأن ريفي يُعدّ نفسه ليكون رأس حربة تيار المستقبل لمواجهة ميقاتي انتخابياً في طرابلس.
جولات الاشتباكات المتتالية، وتحديداً منذ استقالة ميقاتي وإحالة ريفي على التقاعد، كانت الساحة البديلة لمحاولة ريفي التهجّم على ميقاتي، بدأه بدفاعه عن «قادة المحاور».
أول من أمس خرج ريفي ليردّ على ميقاتي بشكل مباشر، كاشفاً بذلك عن وجه آخر للصراع في طرابلس لا علاقة لمنطقتي باب التبانة وجبل محسن فيه، إلى حدّ أن حرباً فايسبوكية لا تقل ضراوة دارت بين أنصار الرجلين على مواقع التواصل الاجتماعي.
فبعد نحو ساعة من إصدار ميقاتي بياناً بخصوص ما يحصل في طرابلس، ردّ ريفي عليه ببيان دعاه فيه إلى «الاعتكاف ورفع الصوت لوقف الاقتتال في طرابلس»، وتوجه إليه بالقول: «إن طرابلس لن تقبل منك أنت وكل المقصرين أو المتآمرين من أمنيين وسياسيين أقل من الرحيل، لأن دماء الأبرياء لا ترحم».
مصادر مقرّبة من ميقاتي ردّت على ريفي، ورأت عبر «الأخبار» أن «من يطلب من الدولة الرحيل، على الرأي العام أن يعرف أنه هو المتآمر على طرابلس، وهو من وزع ويوزع السلاح على بعض شبابها، وأنه هو من حوّل مؤسسات الدولة إلى أوكار للعصابات والمسلحين».
وسألت المصادر: «هل طلبك ترحيل الدولة من طرابلس هو لرغبتك في تحويلها إلى مكان يرتع فيه الزعران المقرّبون منك؟»، ورأت أن ريفي «يتاجر بدماء أهالي المدينة بينما هي تتعرض للقصف، مستخدماً خطاباً انتخابياً لا يقدم ولا يؤخر».
وكشفت المصادر أن سبب توتر ريفي هو توقيف الجيش أول من أمس المدعو حاتم جنزرلي، المحسوب على الأول، في منطقة باب الحديد مع ستة مسلحين تابعين له، وذلك بعد إطلاقه النار على الجيش. وأصدر أمس مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر مذكرة توقيف بحق جنزرلي مع 7 آخرين.
وترافقت السخونة العسكرية مع تصعيد في المواقف. فمنسّق تيار المستقبل في طرابلس مصطفى علوش رأى أنه «عندما يتم توقيف المتهمين من الحزب العربي الديمقراطي يتم سحب الغطاء عن المسلحين»، بينما أوضح المسؤول الإعلامي في الحزب عبد اللطيف صالح أن «شروط جبل محسن لوقف القتال هي فك الحصار عن المنطقة، وعدم التعرض لأي شخص من الجبل وهو في طريقه إلى عمله، وأن تقدّم الدولة ضمانات بذلك».
من جهته، رأى رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط أن «أغلبية قيادات طرابلس على ما يبدو مصرة ومصممة على تدمير المدينة، والبرهان على ذلك عدم تحرّكها وتدخلها على المستوى المطلوب لتغيير الواقع القائم وإعادة ضبطه من خلال رفع الغطاء عن كل المخلين بالأمن مهما علا شأنهم والبحث عن سبل تجفيف مصادر تمويل هؤلاء الأفراد والمجموعات».
(الأخبار)