اليوم، تجلس إيفا غ. أمام مندوبة مصلحة الأحداث لتسرد حياتها في كنف عائلتها بعد عودتها من منزل خاطفيها، على أن يرفع تقرير بما قالته ابنة الأربعة عشر ربيعاً إلى قاضي الأحداث. في جلسة الاستماع، ستُسأل الصغيرة عن شيء واحد: ما الذي تغيّر بعد العودة؟ لا نعرف بما ستجيب بانتظار انتهاء الجلسة، ولكن يمكن التخمين استناداً إلى جملة أحداث تمرّ بها العائلة. فلنبدأ من الحدث الأخير، من قرار العائلة العودة إلى قرية كفرملكي الجنوبية والاستقرار هناك. هذا القرار الذي يفترض أنه صار نهائياً أمس، مع إفراغ بيت «المعمورة» من محتوياته.
وهذا أول التداعيات وليس آخرها، إذ إن العائلة التي تتشتّت اليوم بين مكانين ــ الأم وابنتها في الجنوب والابن في مدرسة داخلية في بيروت، والوالد «ع الطريق» بين البيتين ــ يتهددها اليوم خطر انفصال الوالدين نهائياً. أما ما هو أقسى من ذلك كله فهو «الملاحقة المعكوسة» التي انقلبت من ملاحقة القوى الأمنية، التي لم تحصل، للخاطفين حسن م. وابنه حسين على إثر الدعوى المرفوعة بتهمة «الخطف والاغتصاب والتحريض على الاغتصاب». والسبب؟ أن القضاء «يحتاج إلى من يقف على يده كي يتحرك»، والقوى الأمنية التي حظيت بقرار استثنائي بملاحقة المتهمين في اليوم نفسه لعودة الفتاة وجدت نفسها متعبة من كيلومترات قليلة تفصلها عن «صحراء الشويفات»، حيث يسكن حسن م. وعائلته. وعندما تسأل عائلة غ. عن سبب عدم توقيف الجناة، تأتيها الإجابة: متوارون. وإن كانوا كذلك، لم لا تقصد القوى الأمنية مكان إقامة الخاطف وابنه ومكان عملهما؟ هل المكان بعيد؟ ولم لا تسأل الجيران «التعبانين من شوفتهن ليل نهار بالمنطقة»؟
الضابطة العدلية لم تلبّ في فترة سابقة دعوة حسن م. لها على فنجان قهوة في منزله؟ لم ترصده مثلاً عند خروجه من مبنى ستديو «للنشر»، ربما كانت ستجد إيفا وعمها المزعوم في أحد المكاتب في المبنى نفسه؟ ما الذي تنتظره تلك القوى؟ العشائر مثلاً؟
إلى الآن، هذا ما يبدو عليه الأمر. المسؤولية «الكبرى والأساس تقع على عاتق القضاء»، تقول المحامية منار زعيتر. يفترض بالقضاء أن يتحرك. ولو سلمنا جدلاً بأنه تحرك على إثر الدعوى التي تقدمت بها المحامية بشرى الخليل بتهمة «الخطف والاغتصاب والتحريض على الاغتصاب»، إلا أنه لم يكن كافياً ما فعله. وهنا يأتي حديث البعض عن «التدخلات» في القضاء. أما إن أحسنّا الظن بهذه السلطة، فقد يجد البعض تلك التدخلات «في الضابطة العدلية، فعلى الأرجح قد يكون القضاء أصدر الأمر وضاع في الضابطة التي تشبه المافيا»، يقول أحد المحامين الذي يرفض الإفصاح عن اسمه. ولكن، سواء ضاع هنا أو هناك، فلا مفر من تحمّل الكل المسؤولية. وفي حالة إيفا، ثمة أخطاء لا تحتمل الغفران. وتشير زعيتر إلى جملة إشكاليات في قضية إيفا تجعل القضاء مسؤولاً بشكلٍ أو بآخر، منها «مثلاً سن الزواج في القانون اللبناني، إذ علينا أن نلتفت إلى أن لبنان من الموقّعين والملتزمين باتفاقية حقوق الطفل تلك التي تحدد عمر الطفولة من صفر إلى 18 سنة، مع الأخذ بعين الاعتبار المادة التي تنص على عدم تزويج الطفل، وما حصل في قضية إيفا القاصر كان جرماً على عين القانون». والإشكالية الأخرى تتعلق «بعقود الزواج خارج المحكمة الشرعية»، وهذه أيضاً دخلت في قضية إيفا. أما ثالث الأشياء فهي قضية الاغتصاب التي تعرضت لها القاصر 12 يوماً، وهي التي يحاول حرفها الجاني من خلال «تفعيل الوساطات لرد إيفا إلى ابنه حسين وتحويلها من قضية خطف إلى قضية خطيفة ومن ثم زواج». وهنا، يكمن خوف العائلة وإصرارها تالياً على عدم القبول بوساطات التزويج، إذ ثمة يقين لدى حسين غ. وزوجته بأن «آل مشيك يريدون إيفا فقط من أجل إسقاط الدعوى، وبعدها من يضمن ما ستكون عليه حياة ابنتي؟». ويستند غ. في خوفه إلى بعض ما تواتر له «من خلال البعض وما قالوه هم أمام الوسطاء من أنه سقّط الدعوى وردلّي مصارييّ وما بدنا بنتك». هذا ما تقوله العائلة، وهو ما لا يؤيده الطرف الآخر. وعطفاً على كلام هؤلاء الذين لا يريدون إلا «العروس»، تشير المحامية الخليل إلى أن «الجو يتمحور حول هذه النقطة، إذ إنهم يفاوضون من أجل تزويج إيفا للشاب، وهو ما لا يوافق عليه الوالد». يعوّل هؤلاء على «تعلّق» إيفا بالشاب وتعلّقه بها. ولكن، «فات هؤلاء أن ¾ المراهقات يغرمن ولكن لا يمكن أن يمحو هذا الحب الجريمة. ويجب أن تستشير العائلة طبيباً في هذا المجال لمعرفة كيفية التعاطي مع الطفلة»، يقول رائد محسن، المتخصص في التوجيه الزوجي والعائلي. ولكن، ما مصير الدعوى إذا نجح الجاني في الزواج من المجني عليها؟ إلى الآن «لا نستطيع الحديث عن شيء سابق لأوانه، ولكن الأكيد أنه في كل الأحوال لن يسقط الحق بالكامل، فثمة تعويض عطل وضرر وملاحقة ومحاكمة لا بد منها للشيخ حسن المولى الذي عقد قران إيفا بشكلٍ مخالف، وهذا حق لا تنازل عنه».