خُطفت إيفا غ. مرة أخرى. لا داعي هنا لسردٍ جديد لقصة لم تنته أصلاً. فإيفا، القاصر التي لم تكمل عامها الرابع عشر والتي لم يمض على عودتها إلى منزل والديها سوى شهر ونيّف، لم يخطفها خاطف جديد. فعلها الخاطف نفسه الذي نفّذ جريمته السابقة قبل نحو شهرين عندما أراد الضغط على والدها لاسترداد ديون والده: حسين م.
حسين، الشاب الذي لم يأبه لدعوى جريمته الأولى التي تعدّت الخطف إلى الاغتصاب، قصد فجر أول من أمس بلدة كفرملكي الجنوبية، حيث التجأت عائلة إيفا هاربة من الضغوطات، وأمعن في ارتكاب جريمته مرة أخرى. هكذا، صار الجرم مضاعفاً: تعمّد خطف قاصر، وإن كان في «النية» هذه المرة، بحسب المقربين من عائلته، أنه «خطف بنية الزواج، وخصوصاً أنها كانت متفقة معه على الرحيل». وباعتقاد هؤلاء، ستخفف هذه النية من العقوبة. لكن ما فات هؤلاء، أن الشاب لا يزال ملاحقاً بدعوى «خطف قاصر بهدف ابتزاز المال من والدها وإكراهها على تنفيذ رغباته وأعمال دون وجه حق واغتصابها في نهاية المطاف». وهي الدعوى التي تقدم بها والدها في 24 تشرين الأول الماضي ولا تزال سارية المفعول. وبحسب القانون، فالشاب في هذا الوضع «ملاحق بجرم آخر؛ إذ عاد ليرتكب ما فعله مرة ثانية»، بحسب المحامي نزار صاغية. وبحسب القانون أيضاً، وفي مثل هذه الحال، «يفترض أنه إذا تقدمت عائلة الفتاة بدعوى، فقد تُدمَج الدعويان ليصبح الشاب في مواجهة الحكم الأشد قسوة، الذي هو الخطف من أجل الفدية». وبهذا، يحكم على أساس المادة 569 من قانون العقوبات التي تعاقب الفاعل بالأشغال الشاقة المؤبدة «إذا استعمل ضحيته رهينة للتهويل على الأفراد أو المؤسسات أو الدولة بغية ابتزاز المال أو الإكراه على تنفيذ رغبة أو القيام بعمل أو الامتناع عنه»، بحسب ما ينص البند الخامس.
هذا ما يقوله القانون. أما الأمر الواقع، فله حسابات أخرى. حسين م. الخاطف مرتين كان جريئاً بما يكفي ليفعل ما فعله «محمياً من عشيرته ومن الدولة التي لم تحرك ساكناً». هذا ما يقوله والد الفتاة حسين غ. وهو ما يخالفه بعض «المصلحين»، على اعتبار أن «إيفا خرجت بإرادتها مع حسين هذه المرة»، وهو ما لا ينكره الوالد، مشيراً إلى «أنها كانت تقوم برياضتها الصباحية، وأتى هو وخرجت معه وعندما سألتها خالتها ما الذي تفعله، قالت لها إنها ذاهبة معه بإرادتها». لكن بغض النظر عمّا إذا كان بإرادتها أو لا، فمن الذي يعوّل على إرادة قاصر؟ وماذا عن دور الدولة هنا، وهي التي فشلت سابقاً، أو بتعبير آخر تنحت جانباً إفساحاً في المجال أمام العشائر؟ وهذا سؤال مشروع. أين هي الدولة من كل هذا؟
في المرة الأولى التي خطفت فيها إيفا من أمام منزلها في منطقة المعمورة، انتظرت الدولة وعد مختار آل ز. لينفذ وعده بإعادة الطفلة إلى بيتها، بعدما اختطفها حسين م. ووالده حسن وشقيقه علي على خلفية خلافات مادية مع والدها. انتظروا الذي «حطّ إيده على شواربه» كي يستعيدوا إيفا. هكذا، وضعوا القانون تحت إمرة العشيرة.
وهذا أقسى ما يمكن أن ترتكبه الدولة التي يفترض أنها تحمي مواطنيها. هذا أولاً. أما ثانياً، فعلى الرغم من صدور إشارة قضائية استثنائية تقضي بالملاحقة الليلية للخاطفين والضالعين والمشاركين، لم يتحرك العناصر الأمنيون برغم معرفتهم بمكان وجود الخاطفين.
الدولة غابت في حادثة الخطف الأولى، فهل تكون حاضرة هذه المرة؟ وماذا عن قضاء الأحداث أيضاً؟ هل سيأخذ تدبير حماية آخر لحماية قاصر تخطف للمرة الثانية؟ ماذا عن أدوار هؤلاء؟ وإن لم يبادروا لتطبيق القانون، فماذا يمكن أن يكون البديل إذاً؟ هذه المرة، لا يملك حسين غ. الكثير من الخيارات. ثمة خيار واحد: «بدي آخد حقي بإيدي وهيدي المرة ناوي اشتغل شغلي، ما رح انطر الدولة لأنها ما عملت لي شي». هذا ما سيفعله الوالد ربما. ولكن، على الطرف الآخر، لا تزال المفاوضات جارية لحل الموضوع بطريقة «حبّية». وفي هذا الإطار، يشير أحد العاملين على خط الإصلاح إلى أن حسن م. والد حسين «تعهّد البحث عن الفتاة بعدما تواتر له ان ابنه أخذها إلى منطقة الهرمل، وإعادتها والعمل على عقد قرانها بموافقة والدها، مع إعطاء الكثير من الضمانات، كأن يوكل الزوج الشيخ الذي سيعقد القران بتطليق إيفا إن اشتكت من سوء المعاملة وإعطائها حقوقها». وكل ذلك، مقابل ماذا؟ وماذا عن الدعوى القضائية التي لا تزال سارية المفعول حتى هذه اللحظات؟ سيتطرق المصلحون أيضاً إلى هذا الموضوع «إذ نعمل على التسوية: إسقاط الدعوى مع الإبقاء على الدعوى المرفوعة ضد الشيخ حسن المولى والتزام عائلة الخاطف تعويض الطفلة عن عذريتها والتعويض على والدها أيضاً». هذه هي الطريقة «الحبية». طريقة العشائر التي تلغي، بأمرها الواقع، الدولة وقانونها.