كعادة كل إدارة جديدة تتسلم السلطة في إيران، وما إن تنتهي من تركيب هيكلية الصف الأول من معاوني رئيس الجمهورية ومستشاريه، وتعيين الوزراء ورؤساء المؤسسات العامة الأساسية، حتى تبدأ ورشة التشكيلات في الصف الثاني، وتبرز منها تلك التي تشهدها وزارة الخارجية، بعدما تأخرت مدة أربعة شهور بسبب التطورات.
ويبدو أن إدارة الرئيس حسن روحاني تتجه إلى نقل جميع أركان الوزارة من طهران إلى الخارج، خاصة أنهم يؤيدون، في قراءتهم للواقع الإقليمي، الفريق الآخر. ويبرز في هذا الصدد اتجاه إلى تعيين نائب وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أمير عبداللهيان سفيراً في العراق مكان السفير الحالي حسن دانائي فرّ، وتعيين المستشار في دائرة الشرق الأوسط السيد فتح علي سفيراً في بيروت خلفاً لغضنفر ركن آبادي، ونقل رئيس دائرة الخليج علي رضا عنايتي الى الكويت سفيراً خلفاً لروح الله قهرماني، ورئيس دائرة الشرق الأوسط مجتبى فردوسي بور سفيراً لدى الأردن خلفاً لمصطفى مصلح زادة.
ولعل الاستثناء الوحيد لهذا الاتجاه تعيين مستشار وزير الخارجية حسين صادقي سفيراً لدى السعودية خلفاً لحميد رضا دهقاني. وسبق لصادقي أن شغل رئاسة دائرة الخليج في عهدي الرئيسين علي أكبر هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي.
لكن أبرز الانتقادات التي تتعرض لها خطة روحاني، يتمثل في القرار الخاص بعبداللهيان الذي يحظى بمقبولية كبيرة في أوساط الحكم في إيران وبثقة مكتب المرشد وجهات حساسة ومهمة في الجمهورية، فضلاً طبعاً عن كون سجله المهني حافلاً بإنجازات في أكثر الملفات حساسية وله بصمته في الملف السوري، إذ ظل وحيداًَ في ذروة القلق على مصير النظام هناك، يرفض التسليم ويدعو الى العمل لأجل العكس. وفي لبنان، له رصيد كبير عند قيادة المقاومة، كما له نفوذه بين العراقيين، حيث كان واحداً من الفريق المصغر الذي فاوض الأميركيين. وعندما اشتدت الأمور وتأزمت العلاقة بين إيران والولايات، وأرادت هذه الأخيرة ترطيب الأجواء، بعثت برسالة تعرب فيها عن رغبتها تلك وتسأل عن الشخصية التي يجب الحديث معها، فكان الجواب أن هناك ثلاثة أشخاص فقط مخوّلين الحديث معكم بأمر من المرشد، كان عبداللهيان أحدهم. وفي ملف البحرين، تنظر اليه حكومة الملك على أن بقاءه في منصبه دليل على عدم تغيير الموقف الإيراني.
ولا يزال مصير السفير لدى دمشق محمد رضا شيباني غير واضح، علماً بأن هناك من يرجّح بقاءه في موقعه بعد إعادة التموضع التي أجراها، والتي جعلته في حال من التماهي مع إدارة روحاني.
غير أن تصفية الحسابات ليست كلها بالمعنى السلبي. فهناك مكافآت أعطيت لكثيرين، بينهم من وقف خصماً لروحاني في انتخابات الرئاسة. ومن بين هؤلاء مستشار المرشد للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي، الذي شكل استثناءً في صفوف الأصوليين في دعمه روحاني لإجراء مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة. بل بلغ به الأمر في ٢٧ كانون الاول الماضي حدّ اعتبار «أننا لسنا على الطريق الصحيح إذا لم نجر محادثات مع كل دولة من الدول الست بشكل منفرد»، في إشارة إلى مجموعة «٥ + ١».
كذلك حصل نقاش حول موقع ولايتي في أعقاب قرار رفسنجاني تعيينه رئيساً لمركز الدراسات الاستراتيجية في مجمع تشخيص مصلحة النظام خلفاً لروحاني. تساؤلات استعادت عدم التزام ولايتي باتفاق كان قد أبرمه مع المرشحين الآخرين لانتخابات الرئاسة محمد باقر قاليباق وغلام علي حداد عادل بأن ينسحب اثنان منهما للمرشح الذي تعطيه استطلاعات الرأي الحظ الأكبر بالفوز. وقتها تصدر قاليباف تلك الاستطلاعات، لكن ولايتي لم يمتثل وأصرّ على أن يخوض الثلاثة غمار الانتخابات معاً. خطوة يحمّلها كثر مسؤولية خسارة الأصوليين لانتخابات الرئاسة.