تغيّرت قواعد اللعبة باستهداف مدينة الهرمل. لم تعد الضاحية الجنوبية لبيروت الهدف الأوحد لمسلّحي المعارضة السورية. ضَربُ رمزية «قلعة المقاومة» استُعيض عنه بضرب «أي بيئة حاضنة لحزب الله». يريد هؤلاء «إيلام الحزب في أي مكان انتقاماً لتدخّله في القتال السوري». هكذا تُرسم خطوط تماس جديدة بين عاصمة «الثورة السورية»، عرسال، التي تعبر منها سيارات الموت إلى كل لبنان، وبين جارتها الهرمل، «عاصمة المقاومة» في البقاع.
على مدى الأيام الماضية، نشطت القوّة الضاربة في الجيش اللبناني في «اختطاف» مشتبهٍ فيهم من البلدة البقاعية الأشهر عرسال. «اختطاف»، لكون الجيش يتقصّد تنفيذ عمليات أمنية خاطفة لتفادي الاصطدام بمئات المسلحين السوريين واللبنانيين وغيرهم، الذين يجوبون طرقات البلدة البقاعية ليل نهار. وتمكن عناصر القوة الأمنية خلال خمسة أيام (من ١٩ كانون الأول إلى ٢٤ من الشهر نفسه)، من توقيف ١٣ مشتبهاً فيه، تؤكد مصادر أمنية أنهم سوريون يقاتلون تحت راية «جبهة النصرة». وتكشف المعلومات أنه ضُبطت في حوزة الموقوفين أسلحة وأعتدة عسكرية، وأنهم اعترفوا خلال التحقيق لدى استخبارات الجيش بأنهم يتنقلون بين عرسال والأراضي السورية، وأنهم يقيمون في لبنان، ويغادرونه للقتال في يبرود. كذلك تم توقيف شابين بريطانيين في عرسال للاشتباه في ارتباطهما بـ«النصرة». وعلمت «الأخبار» من جهاديين سوريين أن «استخبارات الجيش أوقفت شاباً ألمانياً في مجدل عنجر قبل أيام»، مشيرة إلى أنّه «أخٌ لنا يقاتل معنا في صفوف الجبهة». هكذا ينغل جهاديون من مختلف الجنسيات على أراضٍ لبنانية تبدو كأنها خارج سيطرة الدولة. يتحرّك هؤلاء بحرية تامّة، يضربون في المكان والزمان اللذين يختارونهما. سيارات مفخخة، انتحاريون وعبوات ناسفة. ورغم حاجز الجيش الواقع على مدخل البلدة، لا تزال سيارات الموت تعبره بطريقة أو بأخرى.
وصباح أمس، هزّ الهرمل انفجارٌ انتحاري بسيارة مفخخة يُرجّح أنها قدمت عبر الطريق نفسه الذي سلكته سابقاتها. وتقاطعت معلومات أمنية مع إفادات شهود عيان تفيد بأن السيارة دخلت الى المدينة من جهة مشاريع القاع. وذكرت المصادر أنّ السيارة المستخدمة في الهجوم محرّر فيها «وثيقة اتصال» من قبل استخبارات الجيش، لجهة احتمال استخدامها في أعمال إرهابية. لم يكن هناك هدفٌ واضح في الهرمل. عشوائية التفجير عززت هذه الفرضية، قبل أن يخرج على حساب «أنصار جبهة النصرة في لبنان» على موقع «تويتر» بيان يتبنّى الهجوم الانتحاري. البيان الصادر حمل الرقم ٢، وأتى استكمالاً للبيان الرقم ١ الذي صدر في 17/12/2013 معلناً ولادة «جبهة النصرة» في لبنان عقب استهداف منطقة الهرمل بصلية صواريخ، حاملاً توقيع الفصيل «القاعدي»، بالتكافل والتضامن مع «سرايا مروان حديد». البيان الثاني جاء فيه أنه «تم بفضل الله زلزلة معقل حزب إيران في الهرمل بعملية استشهاديّة فارسها أحد أسود جبهة النصرة في لبنان، رداً على ما يقوم به الحزب من جرائم بحق نساء وأطفال أهل السنّة في سوريا»، موجّهاً دعوة إلى «أهل السنّة في كل مناطق لبنان أن يرصّوا صفوفهم لمواجهة حزب الشيطان، فما خبرناه إلا غبيّاً وجباناً، غبيّاً بتقديراته الجنائية، وجباناً لوضع مقراته بين المدنيين».
ولم يكن الإعلان عن وجود منفّذ انتحاري مفاجئاً، لا سيما أن شهود عيان سبق أن أكّدوا ذلك. وبعد المعلومات التي ترددت عن ظهوره في إحدى كاميرات المراقبة، انشغل الجميع بتحديد جنسية المنفّذ التي لمّح البيان إلى أنّها لبنانية، بإشارته إلى أنه «أحد أسود جبهة النصرة في لبنان». علماً بأن المصادر الأمنية رجّحت أن يكون منفّذ الهجوم الانتحاري فلسطينياً ممن غادروا لبنان للقتال في سوريا. وذكرت مصادر أمنية لـ«الأخبار» أنّها أحصت خروج ١٨ شاباً للقتال في سوريا «انقطعت أخبارهم أو لم يعودوا». وحتى ساعة متأخرة من مساء أمس كانت هوية منفّذ الهجوم لا تزال مجهولة في انتظار صدور نتائج إجراء فحص الحمض النووي على الأشلاء التي يُشتبه في أنها تعود للانتحاري. وقد تداولت مصادر أمنية معلومات ترجّح بأنّ منفّذ الهجوم فلسطيني لبناني من آل البقاعي يقيم في صيدا، وأنّه موجود في سوريا منذ أشهر. لكن ذلك بقي في إطار التخمينات غير المؤكدة
وقالت مصادر جهادية لـ«الأخبار» ان «العملية الاستشهادية لم تُصب هدفها الذي كان محدّداً»، لكنها لفتت إلى أنّ «المشيئة الإلهية أرادت أن تنفجر حيث وقع الانفجار. ويكفينا أنّنا نضرب جمهور الحزب الذي يوالي مسلّحيه في قتل إخواننا في أرض الشام».
ومساء أمس، صدر عن مديرية التوجيه في قيادة الجيش بيان حول نتائج «الكشف الأولي للخبراء العسكريين المختصين على موقع الانفجار أمام سرايا مدينة الهرمل»، كاشفاً أن «الانفجار ناجم عن كمية من المتفجرات زنتها حوالى 30 كلغ، كانت موزعة داخل سيارة نوع كيا رباعية الدفع طراز 2010، تحمل لوحة مزورة رقمها 266271/م».

يمكنكم متابعة رضوان مرتضى عبر تويتر | @radwanmortada